المقال الحادي عشر_الاستحاضة تعريفها وأحكامها

>> فقه المرأة_المقال الحادي عشر: الاستحاضة تعريفها وأحكامها

فقه المرأة

باب الطهارة – المقالة الحادية عشر

     بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلمِ

أما بعد:

     انتهينا في المقالة السابقة من أحكام النفاس ونشرع في هذه الحلقة بإذن الله تعالى في بيان أحكام الاستحاضة، وأسأل الله جلا وعلا أن ينفع بها وأن يجعلها في ميزان حسناتنا إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

أولًا: تعريف الاستحاضة:

الاستحاضة لغة: استفعال من الحيض، يقال: استحيضت، فهي مستحاضة ، وهو أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتاد، والمستحاضة: التي لا يرقأ دم حيضها ولا يسيل من المحيض ولكنه يسيل من عرق يقال له العاذل – لسان العرب (7/143،142).

الاستحاضة شرعًا:

     عرفها الحنفية بأنها: اسم لدم خارج من الفرج دون الرحم- البحر الرائق لابن نجيم (1/226).

     وعرفها المالكية بأنها: ما زاد على دم الحيض والنفاس، وهو دم علة وفساد- المقدمات لابن رشد (1/124).

وعرفها الشافعية بأنها: دم علة يسيل من عرق من أدنى الرحم يقال له العاذل- مغني المحتاج للخطيب الشربيني(1/277).

وعرفها الحنابلة بأنها: سيلان الدم في غير أوقاته من مرض وفساد من عرق فمه في أدنى الرحم يسمى العاذل- كشاف القناع للبهوتي (1/196).

ثانيًا: صفة دم الاستحاضة:

     دم الاستحاضة دم أحمر رقيق، لا رائحة له – البحر الرائق (1/226)، المقدمات لابن رشد (1/133).

ثالثًا: الفرق بين دم الحيض والاستحاضة:

     1- دم الحيض أسود له رائحة كريهة، أما دم الاستحاضة فأحمر لا رائحة له-البحر الرائق (1/226)، المقدمات لابن رشد (1/133).

     2- دم الحيض دم صحة يخرج في أوقات معلومة، أما دم الاستحاضة فهو دم علة وفساد ليس له أوقات معلومة- مغني المحتاج (1/277):

     3- دم الحيض ثخين أما دم الاستحاضة فرقيق- الأم (5/226).

     عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال لها النبى ﷺ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» – صحيح سنن أبي داود (286)، والنسائي (363)، والإرواء (204).

رابعًا: أحكام المستحاضة:

1- جواز وطئها فى حال جريان الدم وهى مستحاضة.

وهذه بعض أقوال العلماء في هذه المسألة:

قال الشافعى فى الأم [1/ 133]:

     فلما حكم النبى ﷺ للمستحاضة حكم الطهارة فى أن تغتسل وتصلى، دل ذلك على أن لزوجها أن يأتيها.

قال الإمام مالك فى الموطأ [1/ 61]:

     الأمر عندنا أن المستحاضة إذا صلت، أن لزوجها أن يصيبها.

قال ابن عبد البر فى الاستذكار [1/ 353]:

     قال جمهور الفقهاء: المستحاضة تصوم وتصلى وتطوف بالبيت وتقرأ القرآن ويأتيها زوجها.

وممن روى عنه إجازة وطء المستحاضة عبد الله بن عباس وسعيد ابن المسيب والحسن- على اختلاف عنه – وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء ابن أبى رباح، وهو قول الشافعى وأبى حنيفة وأصحابهما والثورى والأوزاعى وإسحاق وأبى ثور.

2- هل على المستحاضة غسل غير الغسل الواجب حينما ينقطع حيضها؟

     عن عائشة زوج النبى ﷺ أن أم حبيبة استُحيضت سبع سنين فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال: «هَذَا عِرْقٌ» فكانت تغتسل لكل صلاة-أخرجه البخارى (327).

     وعن عائشة أن فاطمة بنت أبى حُبيش كانت تستحاض، فسألت النبى ﷺ فقال: « ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي »- أخرجه البخارى (320). ومسلم (333).

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجب على المستحاضة إلا غسل واحد وقت انقطاع حيضها.

وهذه بعض أقوال أهل العلم في المسألة.

جاء فى الاستذكار [1/ 345]:

     وقد روى عن سعيد بن المسيب فى ذلك مثل قول مالك وسائر الفقهاء: أنها لا تغتسل إلا من طُهر إلى طُهر على ما وصفنا من انقضاء أيام دمها، إذا كانت تميز دم استحاضتها.

وعلى هذا مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة الكوفى وأصحابه.

جاء فى الموطأ [1/ 61]:

     عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن القعقاع بن حكيم وزيد ابن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب، يسأله كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: تغتسل من طهر إلى طهر- إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق فى المصنف (1170)، وابن أبى شيبة فى المصنف (1357).

وعن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه، أنه قال: ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلًا واحدًا- أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف (1344) نحوه.

قال النووى فى شرح مسلم [2/ 257]:

     واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشىء من الصلاة ولا فى وقت من الأوقات إلا مرة واحدة فى وقت انقطاع حيضها، وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف.

قال الحافظ فى الفتح [1/509]:

فى شرح حديث أم حبيبة ….  وهذا الأمر بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار، فلعلها فهمت طلب ذلك منها بقرينة فلهذا كانت تغتسل لكل صلاة وقال الشافعى: إنما أمرها ﷺ أن تغتسل وتصلى، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوعًا وكذا قال الليث بن سعد فى روايته عند مسلم: لم يذكر ابن شهاب أنه ﷺ أمرها أن تغتسل لكل صلاة، ولكنه شىء فعلته هى.

3- هل على المستحاضة وضوء عند كل صلاة؟

          وعن عائشة أن فاطمة بنت أبى حُبيش كانت تستحاض، فسألت النبى ﷺ فقال: « ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلاَةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي »- أخرجه البخارى (320). ومسلم (333).

     وقد وردت زيادة فى هذا الحديث عند النسائى فاللفظ عند النسائى: « فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ، وَتَوَضَّئِي ، وَصَلِّي ».

     ومن أهل العلم من ضعف هذه الزيادة، وعلى هذا هناك نزاع بين أهل العلم فمنهم من قال تتوضأ لكل صلاة، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة، ومنهم من قال: الاستحاضة ليست ناقضة للوضوء، وهذا مذهب المالكية وغيرهم.

أقوال أهل العلم فى المسألة:

أولاً: من قال عليها وضوء لكل صلاة:

جاء فى الأم للشافعى [1/ 133]:

     وعليها الوضوء لكل صلاة، قياسًا على السُّنة فى الوضوء بما خرج من دبر أو فرج،  ومما له أثر أو لا أثر له.

جاء في الإنصاف (1/354):

     والواجب عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة، ولها أن تصلي بتلك الطهارة ما شاءت من الصلاة، الوقت والفوائت والنوافل وتجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما.

وفى شرح معانى الآثار [1/ 139]:

     قال الطحاوى: فأولى الأشياء أن نرجع فى هذا الحدث المختلف فيه، فنجعله كالحدث الذى قد أجمع عليه ووجد له أصل، ولا نجعله كما لم يجمع عليه، ولم نجد له أصلًا.

     فثبت بذلك قول من ذهب إلى أنها تتوضأ لكل صلاة، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد بن الحسن، رحمهم الله تعالى.

ثانياً: من قال ليس دم الاستحاضة ناقض للوضوء:

جاء فى عون المعبود [1/341، 342]:

     باب من لم يذكر الوضوء للمستحاضة (إلا عند الحدث) غير جريان الدم فلا يجب عليها الوضوء لكل صلاة أو لوقت كل صلاة بل لها أن تصلى ما شاءت ما لم يحدث حدثًا غير جريان الدم.

وفى التمهيد لابن عبد البر [1/ 513]:

     قال أبو عمر: إذا أحدثت المستحاضة حدثًا معروفًا معتادًا لزمها له وضوء، وأما دم استحاضتها فلا يوجب وضوءًا لأنه كدم الجرح السائل، وكيف يوجب من أجله وضوء وهو لا ينقطع، ومن كانت هذه حاله من سلس البول والمذى والاستحاضة، لا يرفع بوضوئه حدثًا، لأنه لا يتمه إلا وقد حصل ذلك الحدث فى الأغلب، وإلى هذا المذهب ذهب مالك وأصحابه.

جاء في الشرح الممتع (1/437):

     في ثنايا كلامه عن الاستحاضة:… والذي ينزف منه دم دائمًا لا يلزمه الوضوء، إلا على قول من يرى أن الدم الكثير ينقض الوضوء. والراجح: أنه لا يلزمها الوضوء إلا إذا فسد وضوؤها بشيء من النواقض.

تعقيب وترجيح:

     أرى- والله تعالى أعلم- أن الصواب مع من ذهب من أهل العلم إلى أن الاستحاضة ليست ناقضة للوضوء، وعليه فلا يجب على المستحاضة الوضوء لكل صلاة إلا إذا انتقض وضوؤها والذي يقوي ذلك عندي أنه لا يوجد دليل صحيح يصلح للتمسك به على أن المستحاضة يجب عليها الوضوء لكل صلاة، وأيضًا دم الاستحاضة لا ينقطع، فهي تتوضأ من الدم الذي ينزل منها، فالوضوء لا يرفع حدثًا وبالله التوفيق.

 

                                                         

مجلة التوحيد- المقالة الحادية عشر  من فقه المرأة

                                                                

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

Pin It on Pinterest

Share This