المقال السابع عشر_هل مرور المرأة أمام المصلي يقطع صلاته؟

>> المقال السابع عشر: هل مرور المرأة أمام المصلي يقطع صلاته؟

فقه المرأة

باب الصلاة – المقالة السابعة عشر

   ﷺ  بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

     أما بعد:

فقد تكلمنا في المقالة السابقة عن بعض الأحكام المتعلقة بفقه المرأة في الصلاة، منها: جواز خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب على خروجهن فتنة، واستئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد، وفضل صلاة النساء في بيوتهن، وإمامة المرأة للنساء، وجواز أن تكون المرأة وحدها صفًا، ونستكمل بعض الأحكام المتعلقة بفقه المرأة في الصلاة عسى الله أن ينفع بها وأن يجعلها في ميزان حسناتنا، إنه على كل شيء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.

هل مرور المرأة أمام المصلي يقطع صلاته؟

أولًا: ينبغي أن يعلم المرء أن النبي ﷺ رهَّب من المرور بين يدي المصلي:

عن ابن عمر رضي الله عنهما – أن رسول الله  قال: « إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلَا يَدَعْ أَحَدًا، يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنْ مَعَهُ الْقَرِينَ »- أخرجه مسلم: ( 506).

قال أبو جهيم: قال رسول الله  « لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ »- أخرجه البخاري: ( 510 ) ومسلم: ( 507).

قال أبو النضر: لا أدري. قال: أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سنة؟

جاء في شرح المهذب (3/227: 228):

   قال النووي: إذا صلى إلى سترة حرم على غيره المرور بينه وبين السترة، ولا يحرم وراء السترة.

قال ابن حزم في مراتب الإجماع: (ص: 54)

واتفقوا على كراهية المرور بين المصلي وسترته، وأن فاعل ذلك آثم.

قال العظيم آبادي في عون المعبود (2/279):

والحديث (حديث أبي الجهيم) يدل على أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر الموجبة للنار، وظاهره عدم الفرق بين صلاة الفريضة وصلاة النافلة.

ثانيًا: اختلف العلماء في حكم قطع الصلاة بمرور المرأة  على قولين:

القول الأول:

ذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى عدم قطع الصلاة بمرور المرأة، وأن القطع في الأحاديث بمعنى عدم الكمال، وليس بمعنى بطلان الصلاة- بدائع الصنائع (1 /217)، المدونة الكبرى (1 /113)، روضة الطالبين (1 /294).

وقال بعض الحنابلة لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود – المغني (2/159).

واستدلوا على ذلك بما يأتي:

1- عن عائشة قالت: «أَعَدَلْتُمُونَا بِالكَلْبِ وَالحِمَارِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ، فَيَجِيءُ النَّبِيُّ   فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ، فَيُصَلِّي، فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ،فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي »- أخرجه البخاري: ( 508).

أُسَنِّحَهُ أي: أظهر له من قدامه، وقال الخطابي: هو من قول سنح إذا عرض لي، تريد أنها كانت تخشى أن تستقبله وهو يصلي ببدنها أي منتصبة – فتح الباري (2/693)

2- عن عائشة، «أَنَّ النَّبِي  كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ »- أخرجه مسلم: ( 512 ).

 القول الثاني: ذهب الحنابلة في رواية والظاهرية إلى أن مرور المرأة يقطع الصلاة، وأن المراد بالقطع في الأحاديث هو إبطال الصلاة – المغني (2/159)، المحلى (4/8).

واستدلوا بما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ »- أخرجه مسلم: ( 511 )

مؤخرة الرحل: قدر عظم الذراع وهو نحو ثلثي ذراع، ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه – مسلم بشرح النووي : (2/459).

ونذكر أقوال أهل العلم في المسألة:

أولًا: من قال بعدم قطع الصلاة:

جاء في بدائع الصنائع (1/241):

ومرور المرأة والحمار والكلب بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة عند عامة العلماء.

قال ابن عبد البر في التمهيد (2/345):

والصحيح عندنا أن الصلاة لا يقطعها شيء مما يمر بين يدي المصلي بوجه من الوجوه، ولو كان خنزيرًا، وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره -مما جاءت به الشريعة.

جاء في المجموع (3 :229 :230) بحذف:

وإذا صلى إلى سترة فمر بينه وبينها رجل أو امرأة أو صبي أو كافر أو كلب أسود أو حمار أو غيرها من الدواب لا تبطل صلاته عندنا. قال الشيخ أبو حامد والأصحاب: وبه قال عامة أهل العلم إلا الحسن البصري فإنه قال: «تبطل بمرور المرأة والحمار والكلب الأسود فقط» … واحتج لأصحابنا والجمهور  بحديث مسروق قال: ذكروا عند عائشة رضي الله عنها ما يقطع الصلاة فذكروا الكلب والحمار والمرأة، فقالت: «شَبَّهْتُمُونَا بِالحُمُرِ وَالكِلاَبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ  يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ» رواه البخاري ومسلم. واحتج بحديث ابن عباس أيضًا …. وأما الجواب عن الأحاديث التي احتجوا بها فمن وجهين أصحهما وأحسنهما ما أجاب به الشافعي والخطابي، والمحققون من الفقهاء والمحدثون أن المراد بالقطع، القطع عن الخشوع والذكر للشغل بها والالتفات إليها لا أنها تفسد الصلاة.

قال النووي في شرح مسلم (2/468):

وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي y وجمهور العلماء من السلف والخلف: لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم، وتأويل هذا الحديث على أن المراد بالقطع: نقص الصلاة، لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها.

قال البيهقي رحمه الله:

ويدل على صحة هذا التأويل أن ابن عباس أحد رواة قطع الصلاة بذلك، ثم روي عن ابن عباس أنه حمله على الكراهة، فهذا الجواب هو المعتمد.

جاء في المغني (2/159):

لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم: يعني إذا مر بين يديه. هذا المشهور عن أحمد رحمه الله نقله الجماعة عنه.

قال الأثرم: سئل أبو عبد الله ما يقطع الصلاة؟ قال: لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم وهذا قول عائشة وحكي عن طاوس وروي عن معاذ ومجاهد أنهما قالا: الكلب الأسود البهيم شيطان: وهو يقطع الصلاة. ومعنى البهيم: الذي ليس في لونه شيء سوى السواد.

ثانيًا: من قال بقطع الصلاة:

قال ابن حزم في المحلى (2/320) مسألة 385:

ويقطع صلاة المصلي كون الكلب بين يديه، مارًا أو غير مار، صغيرًا أو كبيرًا، حيًّا أو ميتًا، أو كون الحمار بين يديه كذلك أيضًا، وكون المرأة بين يدي الرجل، مارة أو غير مارة، صغيرة أو كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة فقط، فلا تقطع الصلاة حينئذ، ولا يقطع النساء بعضهن صلاة بعض.

قال الشوكاني في النيل (3/15):

وأحاديث الباب تدل على أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة، والمراد بقطع الصلاة: إبطالها، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه.

جاء في المغني (2/159):

وعن أحمد رواية أخرى: أنه يقطعها الكلب الأسود والمرأة إذا مرت والحمار… وحديث ابن عباس: مررت بين بعض الصف ليس بحجة لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه.

 

 

تعقيب وترجيح:

والذي يظهر لي في هذه المسألة هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم منهم – مالك وأبو حنيفة والشافعي – وغيرهم من أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة، أما القطع الذي جاء في الحديث هو قطع الخشوع للانشغال بهذه الأشياء، والذي يقوي ذلك عندي أن المصلي الذي أتى بشروط وأركان وواجبات الصلاة فقد أدى ما عليه، لا سيما لو صلى إلى سترة فقد بذل بذلك ما في وسعه، والله تبارك وتعالى يقول:  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ[البقرة: 286]، وقال تعالى:وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ [الزمر: 7] وأما الذي يأثم هو الذي مر بين يدي المصلي لمخالفته أمر سول الله   ، والله تعالى أعلم.

 

مجلة التوحيد- المقالة السابعة عشر  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

 

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

Pin It on Pinterest

Share This