المقال الرابع والعشرون_زكاة الفطر وهل تجب على الزوجة وحكم صدقة التطوع

>> المقال الرابع والعشرون: زكاة الفطر وهل تجب على الزوجة وحكم صدقة التطوع

فقه المرأة

باب الزكاة – المقالة الرابعة والعشرون

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

     ذكرنا في المقالة السابقة بعض الأحكام المتعلقة بالمرأة في باب الزكاة، وبينا هل يجوز أن تدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها الفقير أم لا، وحكم دفع الزوج زكاة ماله إلى زوجته، وهل تجب  الزكاة في صداق المرأة أم لا، ونستكمل بعض الأحكام المتعلقة بزكاة الفطر وصدقة التطوع سائلين الله تعالى أن يتقبل جهد المقل و أن ينفع به المسلمين.

أولًا: زكاة الفطر:

الفطر: اسم مصدر من قولك: «أفطر الصائم إفطارًا» وأضيفت إلى الفطر لأنه سبب في وجوبها، فهو من إضافة الشيء إلى سببه.

وقيل لها: فطرة، لأن الفطرة الخلقة، قال تعالى فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ ۚ

[الروم: 30] وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس- شرح غاية المنتهى (3/26).

1- حكمها:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله r زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة- أخرجه البخاري (1503).

ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف أن لفظ «فرض» في الحديث المتقدم يعني واجب، فزكاة الفطر فرض واجب عند الجمهور، وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك.

وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وأهل الظاهر وغيرهم.

وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضًا وأنها واجبة، بناء على قاعدة الحنفية في التفريق بين الفرض والواجب، فعندهم جاحد الواجب لا يكفر وجاحد الفرض يكفر، لأن الفرض عندهم ما ثبت بالدليل القطعي والواجب ما ثبت بالدليل الظني.

ونذكر بعضًا من أقوال أهل العلم:

قال ابن المنذر في الإجماع (ص13).

 وأجمعوا على أن صدقة الفطر فرض.

جاء في الاستذكار (3/ 265):

قال جمهور أهل العلم من التابعين ومن بعدهم هي فرض واجب على حسب ما فرضها رسول الله  لم ينسخها شيء.

وممن قال بهذا: مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

وقال أشهب: سألت مالكًا عن زكاة الفطر أواجبة هي؟ قال: نعم.

2- حكمتها:

أنها طُهرة للصائم من اللغو والرفث وإطعام للمساكين والرفق بهم في إغنائهم عن السؤال يوم العيد ومشاركتهم الأغنياء في الفرح والسرور وشكر الله عز وجل على إتمام شهر رمضان.

عن ابن عباس قال «فرض رسول الله  زكاة الفطر طُهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»- صحيح سنن أبي داود (1609)،  وصحيح ابن ماجه (1827)،  وصححه الألباني –رحمه الله- في الإرواء (843)،

3- هل تجب زكاة الفطر على الزوجة؟

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول:

ذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن الزوج يلزمه إخراج زكاة الفطر عن زوجته لأنها تابعة للنفقة.

 واستدلوا بحديث: «أدوا صدقة الفطر عمن تمونون»- ضعفه الحافظ في الفتح (2/399)،  وضعفه الشوكاني في النيل (4/214)،  وأعله بالإرسال.

القول الثاني:

ذهب أبو حنيفة وابن المنذر من الشافعية وأهل الظاهر إلى أن زكاة الفطر تجب على الزوجة في نفسها ويلزمها إخراجها من مالها.

 واستدلوا بحديث ابن عمر وفيه: «فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين»- أخرجه البخاري (1503).

ونذكر أقوال أهل العلم في المسألة

جاء في شرح الموطأ (2/177):

قال مالك: إن أحسن ما سمعت فيما يجب على الرجل من زكاة الفطر أن الرجل يؤدي ذلك عن كل من يضمن نفقته ضمان وجوب، كما قال ولا بد له، فلا فراق ولا محالة من أن ينفق عليه كزوجته.

وجاء في مطالب أولي النهى (3/28):

وتلزمه أي المسلم إذا فضل عنده عما تقدم وعن فطرته عمن يمونه من مسلم كزوجة وولد حتى زوجة عبده الحرة وعن تجارة لوجوب نفقتهم عليه وكذا زوجة والد وولد تجب نفقتهما عليه.

وفي روضة الطالبين (2/154):

الفطرة قد يؤديها عن نفسه، وقد يؤديها عن غيره، وجهات التحمل ثلاث: الملك والنكاح والقرابة، وكلها تقتضي وجوب الفطرة في الجملة، فمن لزمه نفقة بسبب منها لزمه فطرة المنفق عليه.

وقال ابن المنذر من أصحابنا: تجب فطرة الزوجة في مالها، لا على الزوج.

قال ابن همام في فتح القدير (2/289: 290):

ولا يؤدي عن زوجته، لقصور الولاية والمؤنة فإنه لا يليها في غير حقوق النكاح ولا يمونها في غير الرواتب كالمداواة.

وفي (ص 290): قال في فطرة الصغير: فإن كان لهم مال يؤدى من مالهم عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله.

جاء في السيل الجرار (1/839):

 وأما إيجاب الإخراج على من تلزمه النفقة فذلك ظاهر في العبد وأما الصبي فيخرج عنه وليه من مال الصبي وكذا المجنون، وأما الزوجة فتخرج من مالها إذا كان لها مال، فإن لم يكن لها ولا للصبي ولا للمجنون مال فالظاهر عدم الوجوب.

وفي نيل الأوطار (4/214):

قال الشوكاني: قوله «الذكر والأنثى» ظاهره وجوبها على المرأة، سواء كان لها زوج أو لا، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وابن المنذر، وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق: تجب على زوجها تبعًا للنفقة.

قال الحافظ: وفيه نظر لأنهم قالوا: إن أعسر وكانت الزوجة أمة وجبت فطرتها على السيد بخلاف النفقة فافترقا، واتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه، وإنما احتج الشافعي بما رواه من طريق محمد بن علي الباقر مرسلاً: «أدوا صدقة الفطر عمن تمونون» وأخرجه البيهقي من هذا الوجه، فزاد في إسناده ذكر علي وهو منقطع وأخرجه من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف، وأخرجه أيضًا عنه الدارقطني.

 

 

تعقيب وترجيح:

الذي أراه وأعتقد أنه الحق هو ما ذهب إليه أبو حنيفة والنووي وابن المنذر وأهل الظاهر من أن الزوجة يلزمها إخراج زكاة الفطر عن نفسها من مالها إن كان لها مال هو الصواب، لأن ذلك يوافق ما جاء في حديث ابن عمر وهو في البخاري وقد تقدم، ولأن المانعون استدلوا بحديث ضعفه كثير من أهل العلم وقد سبق بيان ذلك.

ثانيًا: صدقة التطوع:

 أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها من غير مفسدة:

1- عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فلها أجرها وللزوج بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك»- أخرجه البخاري (1441) ومسلم (1024).

2- عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله r في خطبة عام حجة الوداع يقول: «لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، قيل يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: ذاك أفضل أموالنا»- صحيح سنن الترمذي (670)

قال النووي في شرح مسلم (4/122):

واعلم أنه لا بد للعامل – وهو الخازن- وللزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن إذن أصلا فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة، بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه، والإذن ضربان:

أحدهما: الإذن الصريح في النفقة والصدقة.

الثاني: الإذن المفهوم من اطراد العرف والعادة كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطراد العرف فيه وعلم بالعرف رضاء الزوج والمالك به، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم وهذا إذا علم رضاه لاطراد العرف وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به، فإن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شخصا يشح بذلك وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه.

وأما قوله : «وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له» فمعناه: من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن الذي قد أولناه سابقا، إما بالصريح وإما بالعرف، ولا بد من هذا التأويل لأن النبي  جعل الأجر مناصفة، وفي رواية أبي داود (فلها نصف أجره) ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر، فتعين تأويله.

واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة، فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله r: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة» فأشار  إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ونبه بالطعام أيضا على ذلك لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس وفي كثير من الأحوال.

قال الحافظ في فتح الباري (3/356):

إنه فرق بين المرأة والخادم بأن المرأة لها أن تتصرف في بيت زوجها بما ليس فيه إفساد للرضا بذلك في الغالب، بخلاف الخادم والخازن، ويدل على ذلك ما رواه المصنف من حديث همام عن أبي هريرة بلفظ «إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره».

جاء في المجموع (6/243):

يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره بما أذن فيه صريحا، وبما لم يأذن فيه ولم ينه عنه إذا علمت رضاه به، وإن لم تعلم رضاه به فهو حرام. هكذا ذكر المسألة السرخسي وغيره من أصحابنا وغيرهم من العلماء، وهذا الحكم متعين وعليه تحمل الأحاديث الواردة في ذلك.

 

 

 

مجلة التوحيد- المقالة الرابعة والعشرون  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

 

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

Pin It on Pinterest

Share This