المقال الرابع عشر_أحوال الاستحاضة (المستحاضة المتحيرة)

>> المقال الرابع عشر: أحوال الاستحاضة (المستحاضة المتحيرة)

فقه المرأة

باب الطهارة – المقالة الرابعة عشر

     بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلمِ

أما بعد:

     فقد ذكرنا في المقالة السابقة الحالة الثانية للمستحاضة وهي المعتادة وما يتعلق بها من أحكام، ونشرع في هذه الحلقة بإذن الله تعالى-  في ذكر المتحيرة وما يتعلق بها من أحكام، سائلين الله جل وعلا أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان حسناتنا إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

     الحالة الثالثة: المتحيرة: وهي من كانت لها عادة ونسيتها.

وهذا النسيان قد يحصل بغفلة، أو إهمال، أو مرض، أو جنون وغير ذلك.

وتوصف المتحيرة بالمتحيرة بصيغة اسم الفاعل، لأنها تُحيِّر المفتي، وبصيغة اسم المفعول، لأنها تحيرت بسبب نسيانها- المجموع شرح المهذب (2/434).

قال ابن نجيم في البحر الرائق (1/199):

واعلم أن باب الحيض من غوامض الأبواب، خصوصًا من المتحيرة وتفاريعها ولهذا اعتنى به المحققون وأفرده محمد في كتاب مستقل.

قال النووي في المجموع (8/112):

هذه المسألة وما بعدها من مسائل الناسية هو من عويص باب الحيض بل هي معظمة، وهي كثيرة الصور والفروع والقواعد والتمهيدات والمسائل المشكلات، …. حتى صنف الدارمي فيها مجلدة ضخمة ليس فيها غير مسألة المتحيرة، وتقريرها وتحقيق أصولها واستدراكات كثيرة استدركها هو على كثير من الأصحاب… وينبغي للناظر فيها أن يعتني بحفظ ضوابطها وأصولها فيسهل عليه بعده جميع ما يراه من صورها.

 

اختلف الفقهاء في حكم المتحيرة على ثلاثة أقوال:

القول الأول:

ذهب  الحنفية إلى أن المتحيرة إذا تيقنت الحيض تركت الصلاة والصوم، وإن شكت في وقت أنه طهر أو حيض تحرت، فإن يكن لها رأي  فتأخذ بالأحوط في الأحكام الشرعية، فتجتنب ما تجتنبه الحائض ولا يأتيها زوجها، وتؤمر بالصلاة والصوم- البحر الرائق (1/219)

القول الثاني:

ذهب الشافعية إلى أن المتحيرة إن كانت ناسية للعادة غير مميزة للدم فلا تخلو من ثلاثة أحوال: أن تكون ناسية للوقت والعدد، أو ناسية للوقت ذاكرة للعدد، أو ناسية للعدد ذاكرة للوقت.

الحالة الأولى: إذا كانت ناسية للوقت والعدد: ففيها قولان:

أحدهما: أنها كالمبتدأة التي لا تمييز لها.

الثاني: وهو المشهور، أنها تؤمر بالاحتياط، لعدم التيقن من الطهر والحيض، فتصلي وتغتسل لكل صلاة؛ لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع الحيض، ولا يطأها الزوج، وتصوم مع الناس شهر رمضان، فيصح لها أربعة عشر يومًا؛ لجواز أن يكون اليوم الخامس عشر بعضه من أول يوم من الشهر وبعضه من السادس عشر، فيفسد عليها بذلك يومان، ثم تصوم شهرًا آخر فيصح لها منه أربعة عشر يومًا.

الحالة الثانية: إذا كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة للعدد:وهي من علمت عدد أيام حيضها، ونسيت وقت عادتها، فكل وقت تيقنت فيه الحيض يلزمها اجتناب ما تجتنبه الحائض، وكل زمان تيقنت فيه الطهر يباح لها فيه ما يباح للطاهر، ويجب عليها ما يجب على الطاهر، وكل زمان شكت في طهرها، حرم عليها جماع زوجها ويجب ما يجب على الطاهر احتياطًا.

الحالة الثالثة: إذا كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد:

إذا كانت ذاكرة لوقت ابتداء الحيض، بأن قالت كان ابتداء حيضي من أول يوم من الشهر، فيكون حيضها يومًا وليلة من أول الشهر؛ لأنه يقين، ثم تغتسل بعده فتدخل في طهر مشكوك فيه إلى آخر الخامس عشر، وتصلي وتغتسل لكل صلاة؛ لجواز انقطاع الدم فيه، وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر، فتتوضأ لكل صلاة.

 وإذا كانت ذاكرة لوقت انقطاعه: بأن قالت كان حيضي ينقطع في آخر الشهر قبل غروب الشمس، فيكون حيضها قبل ذلك يومًا وليلة، وتكون طاهرًا من أول الشهر إلى آخر اليوم الخامس عشر، تتوضأ لكل صلا ة فريضة، ثم تدخل في طهر مشكوك إلى آخر التاسع والعشرين، تتوضأ لكل صلاة، لأنه لا يحتمل انقطاع الدم، ولا يجب الغسل إلا في آخر الشهر في الوقت الذي تيقنت انقطاع الحيض فيه- المهذب للشيرازي (1/82).

القول الثالث:

ذهب الحنابلة إلى  أن المتحيرة لها ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن تكون ناسية لوقتها وعددها، فحكمها أنها تمكث في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، يكون ذلك حيضها، ثم تغتسل، وهي فيما بعد ذلك مستحاضة، تصوم وتصلي وتطوف.

واستدلوا بحديث حمنة بنت جحش قالت: ” كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم. فقال …. تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي “- أخرجه أبو داود (287)، والطبراني في المعجم الكبير (551)، والدار قطني (834)، والحاكم في المستدرك (615).

الحالة الثانية: أن تنسى عددها، كالتي تعلم أن حيضها في العشر الأول من الشهر، ولا تعلم عدده، فتمكث ستًا أو سبعًا، في أصح الروايتين، إلا أنها تمكثها من العشر دون غيرها، وهل تمكثها من أول العشر، أو بالتحري؟ على وجهين. وإن قالت: أعلم أنني كنت أول الشهر حائضًا، ولا أعلم آخره، أو أنني كنت آخر الشهر حائضًا ولا أعلم أوله. أو لا أعلم هل كان ذلك أول حيضي أو آخره؟ فيجعل حيضها اليوم الذي علمته، وأتمت بقية حيضها مما بعده في الصورة الأولى، ومما قبله في الثانية، وبالتحري في الثالثة، أو مما يلي أول الشهر، على اختلاف الوجهين وتذكر وقتها.

الحالة الثالثة: أن تذكر عددها، وتنسى وقتها. وهذه لها حالتان: أحدهما، أن لا تعلم لها وقتا أصلًا، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام ولا تعلم وقتها، فإنها تجلس خمسة من كل شهر؛ إما من أوله، أو بالتحري، على اختلاف الوجهين. والثاني، أن تعلم لها وقتاً، مثل أن تعلم أنها كانت تحيض خمسة أيام من العشر الأول من كل شهر، فإنها تمكث عدد أيامها من ذلك الوقت دون غيره.

أقوال العلماء في المسألة:

جاء في البحر الرائق (1/219)

ومتى تيقنت بالحيض في وقت تركتهما فيه، ومتى شكت في وقت أنه وقت حيض أو طهر تحرت، فإن لم يكن لها رأي تصلي فيه بالوضوء لوقت كل صلاة وتصوم وتقضيه دونها، ومتى شكت في وقت أنه حيض أو طهر أو خروج عن الحيض تصلي فيه بالغسل لكل صلاة لجواز أنه وقت الخروج من الحيض، ولا يأتيها زوجها بحال لاحتمال الحيض.

جاء في المهذب للشيرازي (1/82):

إن كانت ناسية للعادة غير مميزة لم يخل: إما أن تكون ناسية للوقت والعدة، أو ناسية للوقت ذاكرة للعدة، أو ناسية للعدة ذاكرة للوقت، فان كانت ناسية للوقت والعدة فهي المتحيرة، وفيها قولان: أحدهما: أنها كالمبتدأة التي لا تمييز لها نص عليه في العدد، فيكون حيضها من أول كل هلال يومًا وليلة في أحد القولين وستًا أو سبعًا في الآخر، فإن عرفت متى رأت الدم جعلنا ابتداء شهرها من ذلك الوقت، وعددنا لها ثلاثين يومًا وحيضناها؛ لأنه ليس بعض الأيام بأن يجعل حيضها بأولى من بعض، فسقط حكم الجميع، وصارت كمن لا عادة لها، والثاني: وهو المشهور والمنصوص في الحيض أنه لا حيض لها ولا طهر بيقين، فتصلي وتغتسل لكل صلاة؛ لجواز أن يكون ذلك وقت انقطاع الحيض، ولا يطأها الزوج، وتصوم مع الناس شهر رمضان، فيصح لها أربعة عشر يومًا؛ لجواز أن يكون اليوم الخامس عشر بعضه من أول يوم من الشهر وبعضه من السادس عشر، فيفسد عليها بذلك يومان، ثم تصوم شهرًا آخر فيصح لها منه أربعة عشر يومًا. وإن كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة للعدد فكل زمان تيقنا فيه الحيض ألزمناها اجتناب ما تجتنبه الحائض، وكل زمان تيقنا طهرها أبحنا فيه ما يباح للطاهر، وأوجبنا ما يجب على الطاهر وكل زمان شككنا في طهرها حرمنا وطأها وأوجبنا ما يجب على الطاهر احتياطاً، وكل زمان جوزنا فيه انقطاع الحيض أوجبنا عليها أن تغتسل فيه للصلاة،  فإن كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد، نظرت: فإن كانت ذاكرة لوقت ابتدائه بأن قالت كان ابتداء حيضي من أول يوم من الشهر حيضناها يومًا وليلة من أول الشهر لأنه يقين، ثم تغتسل بعده، فتحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر الخامس عشر، وتصلي وتغتسل لكل صلاة لجواز انقطاع الدم فيه، وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر، فتتوضأ لكل صلاة، وإن كانت ذاكرة لوقت انقطاعه، بأن قالت كان حيضي ينقطع في آخر الشهر قبل غروب الشمس حيضناها قبل ذلك يومًا وليلة وكانت طاهرًا من أول الشهر إلى آخر الخامس عشر، تتوضأ لكل صلا ة فريضة، ثم تحصل في طهر مشكوك إلى آخر التاسع والعشرين، تتوضأ لكل صلاة لأنه لا يحتمل انقطاع الدم ولا يجب الغسل إلا في آخر الشهر في الوقت الذي تيقنا انقطاع الحيض فيه.

جاء في المغني (1/233-237):

القسم الرابع من أقسام المستحاضة، وهي من لا عادة لها ولا تمييز، وهذا القسم نوعان: أحدهما الناسية، ولها ثلاثة أحوال: أحدها، أن تكون ناسية لوقتها وعددها، وهذه يسميها الفقهاء المتحيرة. والثانية، أن تنسى عددها، وتذكر وقتها. والثالثة، أن تذكر عددها، وتنسى وقتها. فالناسية لهما، تجلس في كل شهر ستة أيام أو سبعة، يكون ذلك حيضها، ثم تغتسل، وهي فيما بعد ذلك مستحاضة، تصوم وتصلي وتطوف. وعن أحمد أنها تجلس أقل الحيض، ثم إن كانت تعرف شهرها، وهو مخالف للشهر المعروف، جلست ذلك من شهرها، وإن لم تعرف شهرها، جلست من الشهر المعروف؛ لأنه الغالب. لحديث حمنة بنت جحش…وهو بظاهره يثبت الحكم في حق الناسية؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يستفصلها، هل هي مبتدأة أو ناسية؟ ولو افترق الحال لاستفصل وسأل. واحتمال أن تكون ناسية أكثر، فإن حمنة امرأة كبيرة، القسم الثاني، الناسية لعددها دون وقتها، كالتي تعلم أن حيضها في العشر الأول من الشهر، ولا تعلم عدده، فهي في قدر ما تجلسه كالمتحيرة، تجلس ستًا أو سبعًا، في أصح الروايتين، إلا أنها تجلسها من العشر دون غيرها، وهل تجلسها من أول العشر، أو بالتحري؟ على وجهين. وإن قالت: أعلم أنني كنت أول الشهر حائضًا، ولا أعلم آخره. أو إنني كنت آخر الشهر حائضًا ولا أعلم أوله. أو لا أعلم هل كان ذلك أول حيضي أو آخره؟ حيضناها اليوم الذي علمته، وأتمت بقية حيضها مما بعده في الصورة الأولى، ومما قبله في الثانية، وبالتحري في الثالثة، أو مما يلي أول الشهر، على اختلاف الوجهين.

القسم الثالث، الناسية لوقتها دون عددها، وهذه تتنوع نوعين: أحدهما، أن لا تعلم لها وقتا أصلا، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام، فإنها تجلس خمسة من كل شهر؛ إما من أوله، أو بالتحري، على اختلاف الوجهين. والثاني، أن تعلم لها وقتا، مثل أن تعلم أنها كانت تحيض أيامًا معلومة من العشر الأول من كل شهر، فإنها تجلس عدد أيامها من ذلك الوقت دون غيره.

الراجح

والذي يظهر لي بعد عرض أقوال الفقهاء أن المتحيرة تتحرى- قدر استطاعتها- لون الدم وكذلك سائر ألوان دماء الحيض عند النساء، وتتحرى- قدر الاستطاعة- وقت نزوله عليها قبل أن يطرأ عليها المرض، ومن ثم تبنى على التقريب فتترك الصلاة تقريبًا فى الأيام التى ترجح أن دم الحيض ينزل عليها فيها، وكذلك تترك الصوم ويعتزلها زوجها إلى غير ذلك من مستلزمات الحيض ومتبوعاته، فإذا انقضت هذه المدة اغتسلت وتعامل معاملة الطاهر، والله تعالى  أعلم بالصواب.

 

مجلة التوحيد- المقالة الرابعة عشر  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

Pin It on Pinterest

Share This