المقال الخامس والعشرون_معنى الصيام وحكم الحامل والمرضع وأحكام الصيام والحيض

>> المقال الخامس والعشرون: معنى الصيام وحكم الحامل والمرضع وأحكام الصيام والحيض

فقه المرأة

باب الصيام – المقالة الخامسة والعشرون

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

     انتهينا بفضل الله تعالى من الأحكام المتعلقة بالمرأة في باب الزكاة ونشرع بإذن الله تعالى- في باب الصيام، سائلين الله عز وجل أن يتقبل جهد المقل و أن ينفع به المسلمين.

أولًا: تعريف الصيام:

الصيام لغة: الإمساك عن الشيء، يقال للصائم صائم؛ لإمساكه عن المطعم والمشرب والمنكح، ويقال للصامت صائم؛ لامساكه عن الكلام، قال تعالى إخبارًا عن مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا [مريم: 26]، وكل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم.لسان العرب (12/351،350)، معجم مقاييس اللغة (3 /323).

وفي الشرع: عبارة عن إمساك مخصوص، وهو الكف عن قضاء الشهوتين، شهوة البطن وشهوة الفرج، من شخص مخصوص وهو أن يكون مسلمًا طاهرًا من الحيض والنفاس، في وقت مخصوص وهو ما بعد طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس بصفة مخصوصة وهو أن يكون على قصد التقرب. فالاسم الشرعي فيه معنى اللغة، إلا أن الصوم لغة هو الإمساك عن جميع ما يقدر الإنسان أن يمتنع عنه من طعام أو شراب أو كلام أو نكاح أو غير ذلك، أما الصوم بالمعنى الشرعي فهو إمساك مخصوص، وهو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج في زمن مخصوص بنية التقرب إلى الله تعالى- المبسوط (3/56).

ثانيًا: فضل الصيام:

ورد في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله r نصوص عديدة تحث على الصيام وتبين فضله، نذكر منها:

1- قول الله تعالى:

التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ

[التوبة: 112].

السائحون: هم الصائمون عند جمهور المفسرين- جامع البيان (7/51).

2- قال تعالى: ِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 35].

3- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحَدِكُم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائم، والذي نفس محمدٍ بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»- أخرجه البخاري (1904)، ومسلم (1151).

4- عن سهل  عن النبي  قال: «إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»-أخرجه البخاري (1896)، ومسلم (1152).

5- عن أبي سعيد الخدري ، قال: قال رسول الله : «من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا»- أخرجه البخاري (2840)، ومسلم (1153).

 

 

ثالثًا:الحامل أو المرضع إذا لم يطيقا الصوم أو خافتا على أنفسهما أو على أولادهما فلهما الفطر:

واختلف الفقهاء فيما يجب عليهما، هل يجب عليهما القضاء، أم الإطعام، أم  كلاهما، أم لا يجب عليهما شيئًا على ثلاثة أقوال:

القول الأول:

الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما فإن عليهما القضاء، وهذا مذهب الشافعي وأحمد  وأبي حنيفة.            

وحجتهم:  قياس الحامل والمرضع على المريض قال تعالى: 
فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ [البقرة: 184].

وقال مالك: الحبلى هي كالمريض تقضي ولا تطعم، والمرضع: تقضي وتطعم. فإن خافتا على أولادهما ولم تخافا على أنفسهما فقد ذهب الشافعي وأحمد إلى أنهما تقضيان وتطعمان.

وقال أبو حنيفة: تقضيان ولا تطعمان، وحجته أنه إفطار بعذر فلا فدية فيه، وهو قول المزني من أصحاب الشافعي والثوري والأوزاعي وابن المنذر وغيرهم.

القول الثاني:

أن عليهما الإطعام، وهذا مذهب ابن عباس.

بدليل الآية الكريمة عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ[البقرة: 184]. قال ابن عباس: الآية ليست منسوخة.

 وأيضًا حديث ابن عباس وفيه: «إذا خافت الحامل على نفسها والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا، لا يقضيان صوما»- أخرجه الدارقطني (2360)، والبيهقي (6/253)، وصححه الألباني – رحمه الله – في الإرواء (4/19).

القول الثالث:

ليس عليهما قضاء ولا إطعام، وهذا مذهب الإمام ابن حزم الظاهري.

 وحجته: براءة الذمة، ولأن الله تعالى لم يوجب القضاء إلا على المريض والمسافر والحائض والنفساء ومتعمد القيء، أما الفدية فحجتهم أنه لا نصَّ فيها ولا إجماع.

 أقوال الفقهاء في المسألة:

جاء في المجموع (6/273):

قال أصحابنا: الحامل والمرضع إن خافتا من الصوم على أنفسهما أفطرتا وقضتا ولا فدية عليهما كالمريض، وهذا كله لا خلاف فيه، وإن خافتا على أنفسهما وولديهما فكذلك بلا خلاف، صرح به الدارمي والسرخسي وغيرهما.

وإن خافتا على ولديهما لا على أنفسهما أفطرتا وقضتا لا خلاف، وفي الفدية هذه الأقوال التي ذكرها المصنف أصحها باتفاق الأصحاب وجوبها كما صححه المصنف، وهو المنصوص في الأم والمختصر وغيرهما.

قال صاحب الحاوي: وهو نصه في القديم والجديد.

جاء في الإنصاف (3/261، 262) بتصرف:

والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، يعني من غير إطعام، وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.

وإن خافتا على ولديهما، أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا.

جاء في المدونة الكبرى (1/278):

أرأيت الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فأفطرتا؟

فقال: تطعم وتفطر وتقضي إن خافت على ولدها.

قال مالك: إن كان صبيها يقبل غير أمه من المراضع وكانت تقدر على أن تستأجر له، أو له مال تستأجر له به، فلتصم ولتستأجر له. وإن كان لا يقبل غير أمه فلتفطر ولتقض ولتطعم من كل يوم أفطرته مدًا لكل مسكين.

وقال مالك في الحامل: لا إطعام عليها ولكن إذا صحت وقويت قضت ما أفطرت، قلت: ما الفرق بين الحامل والمرضع؟

فقال: لأن الحامل هي مريضة، والمرضع ليست بمريضة.

جاء في فتح القدير (2/361):

والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما أفطرتا وقضتا دفعًا للحرج، ولا كفارة عليهما لأنه إفطار بعذر ولا فدية عليهما.

 

وفي المحلى (4/410) مسألة 770:

قال ابن حزم: والحامل والمرضع والشيخ الكبير كلهم مخاطبون بالصوم، فصوم رمضان فرض عليهم، فإن خافت المرضِع على المرضَع قلة اللبن وضيعته لذلك ولم يكن له غيرها أو لم يقبل ثدي غيرها، أو خافت الحامل على الجنين أو عجز الشيخ عن الصوم لكبره: أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام.

قال رسول الله r: «من لا يَرحم لا يُرحم».

فإذًا رحمة الجنين والرضيع فرض ولا وصول إليها إلا بالفطر، فالفطر فرض وإذ هو فرض فقد سقط عنهما الصوم وإذا سقط الصوم، فإيجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن الله تعالى به، ولم يوجب الله تعالى القضاء إلا على المريض والمسافر والحائض والنفساء ومتعمد القيء فقط  وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ[الطلاق: 1].

تعقيب وترجيح

والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة أحمد والشافعي وأبو حنيفة من وجوب القضاء على الحامل والمرضع إذا لم تطيقا الصوم وخافتا على أنفسهما. قال الله تعالى: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184].

فالحامل والمرضع في حكم المريض كما قال أهل العلم.

أما الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على أولادهما فالذي تطمئن إليه النفس أن عليهما القضاء فقط وليس عليهما فدية مع القضاء.

وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم والذي يقوي هذا عندي أنه لم يأت نصٌّ ولا إجماع يوجب عليهما الفدية مع القضاء، وأيضا قول رسول الله r: «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام»- صحيح النسائي (2315)، والبيهقي (8172)، وصحيح الترمذي (715)، وابن ماجه (1676)،  والإمام أحمد في المسند (31/392)، والطبراني في المعجم الكبير (764)، وابن خزيمه (2043).

فالحامل والمرضع تفطران بعذر وعندهم رخصة وعلى هذا لا يجب عليها إلا القضاء فقط، والله تعالى أعلم بالصواب.

تنبيه:

إذا كانت الحامل أو المرضع يشق عليهما القضاء ويجهدهما الصوم جهدًا شديدًا لا يحتمل فحكمهما حكم الشيخ الكبير والعجوز ليس عليهما صوم، ولكن يطعمان عن كل يوم مسكينًا، لقول الله تعالى فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 286]، وبالله التوفيق.

رابعًا: إذا وقع الحيض أوالنفاس قبل غروب الشمس ولو بلحظات بطل الصوم:

وهذا مما أجمع عليه أهل العلم، لأن من المعلوم أن الحيض والنفاس من مبطلات الصيام، ولا فرق إن وقع أول النهار أو أوسط النهار أو قبل غروب الشمس ولو بلحظات، وعلى هذا فيكون عليها قضاء هذا اليوم.

قال النووي في المجموع (6/259):

لا يصح صوم الحائض والنفساء، ولا يجب عليهما، ويحرم عليهما، ويجب قضاؤه، وهذا كله مجمع عليه، ولو أمسكت لا بنية الصوم لم تأثم، وإنما تأثم إذا نوته، وإن كان لا ينعقد الجماع في نهار رمضان ووجوب الكفارة.

خامسًا: إذا انقطع دم الحيض أو النفاس ونوت المرأة الصوم قبل طلوع الفجر فصيامهما صحيح عند الجمهور ولا يتوقف صحت صومهما على الغسل.

والدليل على ذلك:

1- قوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾  [البقرة: 187].

فلما أباح المباشرة إلى تبين الفجر، علم أن الغسل إنما يكون بعده- المغني (3/149)

2- عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله r كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم- أخرجه البخاري (1926)، ومسلم (1109).

فإذا كان الجنب يغتسل بعد الفجر ويصح صومه فكذا الحائض سواء بسواء- المغني (3/149).

قال ابن قدامة في المغني (3/149):

وكذلك المرأة إذا انقطع حيضها من الليل، فهي صائمة إذا نوت الصوم قبل طلوع الفجر، وتغتسل إذا أصبحت، وجملة ذلك أن الحكم في المرأة إذا انقطع حيضها من الليل، كالحكم في الجنب سواء، ويشترط أن ينقطع حيضها قبل طلوع الفجر؛ لأنه إن وجد جزء منه في النهار أفسد الصوم، ويشترط أن تنوي الصوم أيضا من الليل بعد انقطاعه؛ لأنه لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل.

قال الحافظ في الفتح (4/226):

ومما يفرق فيه بين الصوم والصلاة في حقِّ الحائض أنها لو طهرت قبل الفجر ونوت صح صومها في قول الجمهور ولا يتوقف على الغسل.

قال النووي في شرح مسلم ( 7/223):

 وإذا انقطع دم الحائض والنفساء في الليل ثم طلع الفجر قبل اغتسالهما صح صومهما ووجب عليهما إتمامه سواء تركت الغسل عمدًا أو سهوًا بعذر أم بغيره كالجنب، هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا ما حكي عن بعض السلف مما لا نعلم صح عنه أم لا قوله.

 

مجلة التوحيد- المقالة الخامسة والعشرون  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

 

 

 

Pin It on Pinterest

Share This