المقال الحادي والثلاثون_أحكام متعلقة بالطواف والحيض وهل على النساء الجهر بالتلبية والرمل والتقصير؟

>> المقال الحادي والثلاثون: أحكام متعلقة بالطواف والحيض وهل على النساء الجهر بالتلبية والرمل واالتقصير؟   

فقه المرأة

باب الحج – المقالة الواحدة والثلاثون

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

     تحدثنا في المقالة السابقة عن بعض الأحكام المتعلقة بفقه المرأة في الحج، وذكرنا أنه  يحرم على المرأة المحرمة لبس النقاب والقفازين، ولا يحرم عليها تغطية وجهها، وأنه يجوز طواف النساء مع الرجال غير مختلطات بهم، وكذا جواز خروج الضعفاء من النساء من مزدلفة بعد منتصف الليل، وذكرنا أيضًا الحكم إذا حاضت المرأة أو نفست قبل طواف الإفاضة، ونستكمل ما بدأناه سائلين الله عز وجل أن يتقبل جهد المقل وأن ينفع به المسلمين.

أولًا: إذا أحرمت امرأة بالعمرة متمتعة إلى الحج ثم وصلت مكة وطافت وبعد الطواف حاضت أو نفست ماذا تفعل؟

لها أن تكمل عمرتها، فتسعى بين الصفا والمروة وهي حائض؛ لأن جمهور العلماء أجازوا السعي على غير طهارة، وإن كان أداء العبادات كلها على طهارة أفضل. ثم تأخذ قدر أنملة من شعرها وبذلك تكون قد تحللت.

فإذا جاء يوم التروية وهي ما زالت حائض تغتسل وتهل بالحج وتخرج إلى منى محرمة ملبية، وتفعل كل المناسك وكل ما يفعل الحاج، ولا تطوف بالبيت حتى تطهر.

– عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ؛ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ  أَبَا بَكْرٍ يَأْمُرُهَا: أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ»- أخرجه مسلم (1209).

– عن ابن عمر: «إذا طافت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتسع بين الصفا والمروة»- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (14394) وقال الحافظ في الفتح (3/590) إسناده صحيح.

 

 

ثانيًا: إذا كانت المرأة متمتعة فحاضت – مثلا اليوم الخامس من ذي الحجة – وخشيت فوات الحج لأنها في هذه الحالة لن تطهر قبل اليوم الحادي عشر، أي بعد فوات الوقوف بعرفة، فماذا تفعل؟

ذهب الجمهور إلى أنها تدخل الحج في العمرة فتصبح قارنة، وتغتسل، وتهل بالحج عند وصولها الميقات فتقول: لبيك اللهم بعمرة في حج، أو تقول: لبيك اللهم بحج إن كانت تريد نسك الإفراد، وتظل محرمة لا تتحلل حتى إذا جاء يوم التروية خرجت إلى منى وهي محرمة ملبية، فإذا طهرت تغتسل وتظل محرمة حتى تقضي المناسك.

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدمت مكة وأنا حائض ولم أطُف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، قالت: فشكوت ذلك إلى رسول الله ، فقال: «افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي»- أخرجه البخاري(1650).

قال ابن المنذر:

أجمعوا على أنه من دخل مكة بعمرة في أشهر الحج أنه يدخل عليها الحج ما لم يفتتح الطواف بالبيت- الإجماع لابن المنذر(ص: 21).

ثالثًا: هل تجهر النساء بالتلبية؟

– عن أنس قال: أَنَّ النَّبِيَّ  صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ وُسَمِعتَهُم يُصَرِِِِِِِِِِِِِِِِِحُونَ بِهما جميعًا – أخرجه البخاري (1548).

عن خلَّاد بن السائب بن خلَّاد عن أبيه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ  «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ»- صحيح سنن الترمذي (829) وصحيح أبي داود (1814) وصحيح النسائي (2753) وصحيح ابن ماجه (2922) وأخرجه مالك في الموطأ (1/234).

  • عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: «خرج معاوية ليلة النفر فسمع

صوت تلبية قال: من هذا؟ قالوا: عائشة اعتمرت من التنعيم فذكر ذلك

لعائشة فقالت: لو سألني لأخبرته»- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (14662).

ذهب جمهور أهل العلم إلى استحباب رفع الصوت بالتلبية للرجال وحجتهم حديث السائب بن خلاد المتقدم، وقالوا ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية ولتسمع المرأة نفسها مخافة الفتنة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم.

وقالت طائفة: ترفع النساء صوتها بالتلبية كالرجال وحجتهم أثر عائشة المتقدم والعموم الوارد في حديث السائب، وهذا مذهب أهل الظاهر.

ونذكر أقوال الفقهاء في المسألة:

قال الزرقاني في شرح الموطأ (2/302):

قال مالك: إنه سمع أهل العلم يقولون ليس على النساء رفع الصوت بالتلبية لأنه يخشى من صوتها الفتنة، لتسمع المرأة نفسها… قال مالك: لا يرفع المحرم صوته بإهلال في مساجد الجماعات لئلا يخلط عليهم، ليسمع نفسه ومن يليه إلا في المسجد الحرام ومسجد منى فإنه يرفع صوته فيهما ووجه الاستثناء أن المسجد الحرام جعل للحاج والمعتمر وغيرهما فكان الملبي إنما يقصد إليه فكان وجه الخصوصية وكذلك مسجد منى.

قال ابن عبد البر في التمهيد (5/342):

قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأصحابهم: يرفع المحرم صوته بالتلبية.

وفي (ص: 343) قال: أجمع العلماء على أن السنة في المرأة أن لا ترفع صوتها وإنما عليها أن تسمع نفسها، فخرج من جملة ظاهر الحديث وخصت بذلك، وبقي الحديث في الرجال وأسعدهم به من ساعده ظاهره، وبالله التوفيق.

قال الشافعي في الأم (2/232):

الحديث يدل على أن المأمورين برفع الأصوات بالتلبية الرجال، فكان النساء مأمورات بالستر، فإن لا يسمع صوت المرأة أحد أولى بها واستر لها، فلا ترفع المرأة صوتها بالتلبية وتسمع نفسها.

وفي (ص: 233) قال الشافعي رحمه الله : فإن قال قائل: لا يرفع الملبي صوته بالتلبية في مساجد الجماعات إلا في مسجد مكة ومنى، فهذا قول يخالف الحديث، ثم لا يكون له معنى يجوز أن يذهب إليه أحد، إذ حُكي عن رسول الله r أن جبريل أمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فمتى كانت التلبية من الرجل فينبغي له أن يرفع صوته بها.

جاء في الإنصاف (3/408):

ويستحب رفع الصوت بها، على الإطلاق فيدخل فيها لو أحرم من بلده، لكن الأصحاب قيدوا ذلك بأنه لا يستحب إظهارها في مساجد الحل وأمصارها والمنقول عن أحمد: إذا أحرم من مصره لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز.

وفي (ص: 409): قال: ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع رفيقتها.

السنة: أن لا ترفع صوتها، حكاه ابن المنذر إجماعًا وكره جهرها بها أكثر من إسماع رفيقتها على الصحيح من المذهب خوف الفتنة ومنعها في الواضح من ذلك.

جاء في المحلى (5/81):

ويرفع الرجل والمرأة صوتهما بها ولا بد وهو فرض ولو مرة وهي: لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك… واستدل بأثر عائشة المتقدم وغيره.

 

تعقيب وترجيح:

أرى والله تعالى أعلم صحة ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من استحباب رفع الصوت بالتلبية للرجال لحديث السائب المتقدم وهو صحيح صريح بذلك.

وأرى صحة ما ذهب إليه الإمام الشافعي من عدم تقيد التلبية بمكان دون مكان؛ لأن ظاهر الحديث استحباب التلبية مطلقًا فلا يجب العدول عنه إلا بدليل.

أما المرأة فالذي أرجحه هو ما ذهب إليه الأئمة الأربعة أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة بأنها تسمع نفسها ولا ترفع صوتها بالتلبية خشية الفتنة، أما إذا أمنت الفتنة فلا مانع من أن ترفع صوتها بالتلبية للعموم الوارد في حديث السائب وبالله التوفيق.

رابعًا: هل على النساء رمل؟

ذهب أكثر أهل العلم على أنه ليس على النساء رمل، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك.

وها هي أقوال أهل العلم في المسألة:

جاء في بداية المجتهد (2/105):

لَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ، وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَّ، وَهُوَ الَّذِي عَلَى قُطْرِ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ؛ لِثُبُوتِ هَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

جاء في الفواكه الدواني (1/357):

وقيدنا بالرجل؛ لأنه لا رمل على النساء في طوافهن ولا هرولة في سعيهن.

جاء في الأم (2/192):

     لا رمل على النساء، ولا سعي بين الصفا والمروة ولا اضطباع وإن حملن لم يكن على من حملهن رمل بهن وكذلك الصغيرة منهن تحملها الواحدة، والكبيرة تحمل في محفة، أو تركب دابة، وذلك أنهن مأمورات بالاستتار، والاضطباع والرمل مفارقان للاستتار.

قال النووي في شرح مسلم (9/7):

        وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّمَلَ لَا يُشْرَعُ لِلنِّسَاءِ كَمَا لَا يُشْرَعُ لَهُنَّ شِدَّةَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/472):

       وَيَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ فَلَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ.

جاء في المغني لابن قدامة (3/355):

(وطواف النساء وسعيهن مشي كله) قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم، على أنه لا رمل على النساء حول البيت، ولا بين الصفا والمروة، وليس عليهن اضطباع. وذلك لأن الأصل فيهما إظهار الجلد، ولا يقصد ذلك في حق النساء، ولأن النساء يقصد فيهن الستر، وفي الرمل والاضطباع تعرض للتكشف.

خامسًا: ليس على النساء حلق وإنما عليهن التقصير:

الحلق مشروع للرجال، أما المرأة فتأخذ من شعرها قدر الأنملة وهي رأس الأصبع من المفصل الأعلى.

عن ابن عباس أن النبي  قال: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»- صحيح سنن أبى داود (1985).

وكان أحمد يقول: تقصر من كل قرن قدر الأنملة وهو قول ابن عمر والشافعي وإسحاق وأبي ثور، وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن المرأة تقصر من كل رأسها؟ قال: نعم، تجمع شعرها إلى مقدم رأسها ثم تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة- المغني (3/312).

مجلة التوحيد- المقالة الواحدة والثلاثون  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

Pin It on Pinterest

Share This