المقال الأول_معنى الطهارة وأنواع الإفرازات

>> فقه المرأة_المقال الأول: معنى الطهارة وأنواع الإفرازات

فقه المرأة

باب الطهارة – المقالة الأولى

     بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد، فإن علم الفقه من أفضل العلوم وأشرفها؛ إذ به تصح العبادة، التي هي الغاية من خلق الخلق، قال تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات:56 ، وقد حثنا ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم على التفقه في الدين فقال تعالى: ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) التوبة: 122

وقال صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» متفق عليه

وانطلاقًا من هذا فإني أشرع – بحول الله وقوته – في شرح فقه الطهارة للمرأة مبتدئةً بالافرازات الخارجة من المرأة.

 معنى الطهارة :

الطهارة في اللغة: النظافة والنزاهة عن الأدناس والأنجاس- مختار الصحاح للرازي(ص193). 

قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ( 3/428):

     الطاء والهاء والراء أصل واحد صحيح يدل على نقاء وزوال دنس. والتطهر: التنزه عن الذم وكل قبيح.

والطهر: نقيض الحيض. والطهر بالضم: نقيض النجاسة، والجمع أطهار– لسان العرب لابن منظور ( 4/504)، القاموس المحيط للفيروزآبادي (1/432).

وفي الشرع: رفع ما يمنع الصلاة من حدث أو نجاسة بالماء أو رفع حكمه بالتراب- المغني لابن قدامة (1/35) .

أنواع الافرازات الخارجة من المرأة وحكمها:

أولاً: المذي:

     وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الشهوة الضعيفة من غير دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه- المجموع شرح المهذب للنووي (2/141).

     ثانيًا: الودي:

          وهو ماء أبيض ثخين كدر يخرج عقب البول- حاشية ابن عابدين (1/165).

حكمهما: المذي والودي نجسان ويوجبان الوضوء، ولا يوجبان الغسل. فإن أصاب البدن أو الثوب شيء منهما وجب غسله.

          دليل ذلك: عن علي رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مذاء، فأمرت رجلًا أن يسأل النبى ﷺ – لمكان ابنته- فسأل، فقال: «تَوَضَّأ وَاغْسِل ذَكَرَكَ»- أخرجه البخارى (269)، ومسلم (306) .

     فإذا خرج المذي أو الودي من المرأة فعليها غسل فرجها وعليها الوضوء أيضًا؛ للحديث الصحيح: «النِّسَاء شَقَائِق الرِّجَالِ»- صحيح سنن الترمذى (115).

قال الشافعي في الأم (1/55):

وإذا دنا الرجل من امرأته فخرج منه المذي وجب عليه الوضوء“.

وقال الشوكانى  في نيل الأوطار [1/73]:

الغسل لا يجب لخروج المذى قال فى الفتح: وهو إجماع وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول وعلى أنه يتعين الماء فى تطهيره… واتفق العلماء على أن المذى نجس.

جاء فى المدونة الكبرى [1/ 120]…

 أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِنِّي لأَجِدُهُ يَنْحَدِرُ مِنِّي مِثْلَ الْخُرَيْزَةِ، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ، وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ». قال مالك: يعنى المذى- إسناده صحيح. أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى (1/365) عن طريق مالك .

الخريزة: تصغير خرزة وهي الجوهرة- شرح الزرقاني 1/183.

ثالثًا: المني:

 مني المرأة: ماء رقيق أصفر يخرج بتدفق وبشهوة ويعقبه فتور- (المجموع شرح المهذب للنووي2/141، مغني المحتاج للخطيب الشربيني 1/2214)

حكمه:

     اختلف الفقهاء في المني هل هو طاهر أم نجس على قولين:

القول الأول: طهارة المني وإليه ذهب الشافعي ( الأم 1/72) وأحمد في المشهور عنه ( المغني لابن قدامة 2/68) وابن حزم ( المحلى  1/134). مع العلم بوجوب الغسل منه سواء أكان من احتلام أو جماع.

واحتجوا على طهارة المني بما يأتي:

     1- عن علقمة والأسود، أن رجلًا نزل بعائشة- رضي الله عنها- فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: « «إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُكَ إِنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ، فَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْتَ حَوْلَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ  فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ»أخرجه مسلم (288)، وأبو داود (371)، وابن ماجه (357)، والترمذي (116) .

وفي رواية: « لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لأَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ  يَابِسًا بِظُفُرِي »- أخرجه مسلم (290) .

فدل ذلك على طهارة المني؛ إذ لو كان نجسًا لما اكتفت بفركه أو بحكه، بل كان لا بد من غسله.

       وكون عائشة رضي الله عنها تغسله تارة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم  وتفركه تارة، فهذا لا يقتضي تنجيسه؛ فإن الثوب يُغسل من المخاط والبصاق والوسخ- انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/605)

 جاء فى المحلى [1/ 134] مسألة 131:

والمني طاهر فى الماء كان أو فى الجسد أو في الثوب ولا يجب إزالته، والبصاق مثله ولا فرق، واستدل بحديث الفرك فى الباب.

2- ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحتلمون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويصيب المني بدن أحدهم وثيابه ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالته من أبدانهم وثيابهم، ولو كان نجسًا لأمرهم بإزالته كما أمرهم بالاستنجاء، وكما أمر الحائض أن تغسل دم الحيض من ثوبها- انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/604).

القول الثاني: نجاسة المني وإليه ذهب أبو حنيفة (البناية شرح الهداية 1/712)، ومالك  ( بداية المجتهد 1/88)، والإمام أحمد في رواية( المغني 2/68).

واحتجوا: بما روي عن عائشة- رضي الله عنها-: « أَنَّ رَسُولَ اللهِ r كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْغَسْلِ فِيهِ » أخرجه البخاري

 (230)، ومسلم (289) . والغسل لا يكون إلا لشيء نجس.

قال الطحاوى فى شرح معانى الآثار [1/ 67]:

فلما اُختلف فيه هذا الاختلاف، ولم يكن فيما روينا عن رسول الله ﷺ دليل على حكمه كيف هو؟ اعتبرنا ذلك من طريق النظر، فوجدنا خروج المنِّي حدثًا أغلظ الأحداث، لأنه يوجب أكبر الطهارات. فأردنا أن ننظر فى الأشياء التى خروجها حدث كيف حكمها فى نفسها؟ فرأينا الغائط والبول خروجهما حدث، وهما نجسان فى أنفسهما.

وكذلك دم الحيض…. فلما ثبت بما ذكرنا أن كل ما كان خروجه حدثًا، فهو نجس فى نفسه، وقد ثبت أن خروج المنىِّ حدث، ثبت أيضًا أنه فى نفسه نجس.

الراجح

     بعد عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم يترجح لدي القول الأول القائل بطهارة المني للأحاديث الصحيحة التي جاءت بذلك،  كما تقدم، وأما رواية الغسل التي استدل بها  من قال بنجاسة المني فمحمولة على الاستحباب والتنزيه، ويقوي هذا عندي ما قاله الشافعي في الأم [1/ 124]، أن الله تعالى بدأ آدم من ماء وطين، وجعلهما معًا طهارة. وبدأ خلق ولده من ماء دافق، فكان في ابتدائه خلق آدم من الطهارتين اللتين هما الطهارة، دلالة أن لا يبدأ خلق غيره إلا من طاهر، لا من نجس. والله تعالى أعلم.

  رابعًا:  الصفرة والكدرة:

الصفرة: هي لون من ألوان الدم إذا رق، وقيل هو كصفرة السن، أو كصفرة التبن، وأما الكدرة فلون كلون الماء الكدر- ( المبسوط للسرخسي 3/150).

حكمهما: إذا رأت المرأة الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض فهي حيض، وإن رأت الصفرة أو الكدرة بعد الطهر من الحيض أو قبل الحيض فلا تعد حيضًا.

       والدليل على ذلك: حديث عائشة: «كُنَّ نِسَاء يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرجَة فِيْهَا الكُرْسُف فِيْهِ الصُّفْرَة فَتَقُول: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَريْنَ القُصَّة البَيْضَاء، تُرِيْد بِذَلِكَ الطُّهْر مِنَ الحَيْضِ»- رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم.  ( انظر فتح الباري 1/420).

الكرسف: أي القطن.       الدرجة:الخرقة.

القصة البيضاء: وهي ماء أبيض يخرج من الرحم عند انقطاع دم الحيض- (لسان العرب لابن منظور 7/77).

وعن أم عطية قالت: « كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا »- أخرجه البخاري(326).

قال الحافظ في الفتح 1/ 507]:

قوله: (باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض) يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها: « حَتَّى تَريْنَ القُصَّة البَيْضَاء » وبين حديث أم عطية، بأن ذلك محمول على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالته أم عطية.

جاء في نيل الأوطار  للشوكاني[1/ 340]:

بعد أن ذكر حديث أم عطية المتقدم قال: والحديث يدل على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر ليستا من الحيض وأما وقت الحيض فهما حيض.

وجاء في المغني لابن قدامة [1/ 243]:

إذا رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها لم يعتد به. نص عليه أحمد.

والخلاصة: أن المرأة تتوقف عن الصلاة إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض، حتى ترى الطهر بإحدى علامتيه، إما القصة البيضاء ( وهي سائل أبيض يخرج من النساء في آخر الحيض، يكون علامة على الطهر). أو الجفاف التام ( وذلك بأن تدخل المرأة قطنة أو خرقة في فرجها، فتخرج بيضاء ليس فيها شيء من الدم لا صفرة ولا كدرة ولا غيرهما) .

أما إذا رأت المرأة الصفرة أو الكدرة قبل الحيض  أو بعد رؤية الطهر فلا تعد حيضًا ولا تتوقف عن الصلاة.

 

 

                                                         مجلة التوحيد- المقالة الأولى  من فقه المرأة

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

Pin It on Pinterest

Share This