المقالة الواحدة والأربعون : باب النكاح – وليمة العرس وحكمها- جواز الوليمة دون الذبح – حكم إجابة الداعي إلى وليمة العرس وما يقول الرجل عند الزواج وما يقول الرجل إذا أتى أهله

المقالة الواحدة والأربعون>>

فقه المرأة

باب النكاح: المقالة الواحدة والأربعون

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

     تحدثنا في المقالة السابقة عن إشهاد عدلين في النكاح، وإعلان النكاح، وخُطبة النكاح، والترغيب في الضرب بالدف لإعلان النكاح، والدعاء بعد العقد، ونستكمل بعض الأحكام المتعلقة بفقه النكاح سائلين الله عز وجل أن يتقبل جهد المقل وأن ينفع به المسلمين.

وليمة العرس:

أولًا: تعريفها:

الوليمة لغة: اسم لكل طعام يتخذ لجمع، والجمع ولائم، وأولم: صنع وليمةالمصباح المنير (2/672).

والوليمة: طعام العُرس والإملاك، وقيل: هي كل طعام صنع لعُرس وغيره.

قال أبو عبيد: سمعت أبا زيد يقول: يسمى الطعام الذي يصنع عند العرس الوليمة والذي عند الإملاك النقيعة… وأصل هذا كله من الاجتماع- لسان العرب (9/403).

الوليمة شرعًا: الوليمة اسم لكل دعوة أو طعام يتخذ لحادث سرور أو غيره، لكن استعمالها مطلقة في العرس أشهر وفي غيره مقيدة، فيقال وليمة ختان أو غيره نهاية المحتاج (6/369).

ثانيًا:حكمها:

اختلف الفقهاء في حكم وليمة العرس على قولين:

القول الأول: 

وليمة العرس مستحبة، وهذا مذهب مالك وأحمد وكثير من الشافعية وغيرهم.

 وحجتهم:

  • أن الوليمة طعام لحادث سرور، فلم يجب كسائر الولائم.
  • أن سبب هذه الوليمة عقد النكاح وهو غير واجب، ففرعه أولى أن يكون غير واجب.
  • أن الوليمة لو كانت واجبة لكانت مقدرة كالزكاة والكفارات، ولكان لها بدل عند الإعسار كما يعدل المكفر في إعساره إلى الصيام، فدل عدم تقديرها وبدلها على عدم وجوبها.
  • ولأن الوليمة لو وجبت لكان مأخوذ بفعلها حيًا ومأخوذ من تركته ميتًا كسائر الحقوق- الحاوي الكبير (9/556).

القول الثاني:

وليمة العرس واجبة، وإليه ذهب أهل الظاهر وبعض الشافعية.

وحجتهم:

1– عن حُميد عن أنس قال: «أَوْلَمَ النَّبِيُّ r بِزَيْنَبَ فَأَوْسَعَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَخَرَجَ كَمَا يَصْنَعُ إِذَا تَزَوَّجَ فَأَتَى حُجَرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُو وَيَدْعُونَ لَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ فَرَجَعَ لا أَدْرِي آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ بِخُرُوجِهِمَا»- أخرجه البخاري (5154) ومسلم (91 – 1428) بنحوه.

– وقال r لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ»- أخرجه البخاري (5155) ومسلم (1427).

وجه الدلالة:

1- أن النبي r أمر عبد الرحمن بن عوف بالوليمة في قوله «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ» هذا والأمر يدل على الوجوب.

2- ولأنه لما كانت إجابة الداعي إليها واجبة فلأن يكون فعل الوليمة واجب من باب أولى.

أقوال أهل العلم:

قال صاحب المغني (7/4):

وليست واجبة في قول أكثر أهل العلم، وقال بعض أصحاب الشافعية هي واجبة لأن النبي r أمر بها عبد الرحمن بن عوف ولأن الإجابة إليها واجبة فكانت واجبة.

ولنا: أنها طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والخبر محمول على الاستحباب بدليل ما ذكرناه وكونه أمر بشاة ولا خلاف في أنها لا تجب وما ذكروه من المعنى لا أصل له ثم هو باطل بالسلام وإجابة المسلم واجبة.

قال الماوردي في الحاوي (9/556):

فاختلف أصحابنا في وجوبها على وجهين، ومنهم من خرجه على قولين:

أحدهما: أنها واجبة لما روي عن النبي r… وساق حديث عبد الرحمن بن عوف… ولأنه لما كانت إجابة الداعي إليها واجبة دل على أن فعل الوليمة واجب.

والثاني: وهو الأصح أنها غير واجبة لقول النبي r: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ»، ولأنه طعام لحادث سرور فأشبه سائر الولائم. ولأن سبب هذه الوليمة عقد النكاح وهو غير واجب، ففرعه أولى أن يكون غير واجب.

ولأنها لو وجبت لتقدرت كالزكاة والكفارات ولكان لها بدل عند الإعسار كما يعدل المكفر في إعساره إلى الصيام فدل عدم تقديرها وبدلها على سقوط وجوبها، ولأنها لو وجبت لكان مأخوذ بفعلها حيًا ومأخوذ من تركته ميتًا كسائر الحقوق.

قال النووي في شرح مسلم (5/235):

اختلف العلماء في وليمة العرس، هل هي واجبة أم مستحبة؟ والأصح عند أصحابنا أنها سنة مستحبة ويحملون هذا الأمر في هذا الحديث على الندب، وبه قال مالك وغيره وأوجبها داود وغيره.

وفي نيل الأوطار (6/209):

قال الشوكاني: هو طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة، والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة اتفاقًا.

قال ابن حزم في المحلى (9/20):

وفرض على كل من تزوج أن يولم بما قل أو أكثر… ثم ساق حديث عبد الرحمن بن عوف المتقدم في الباب.

تعقيب وترجيح:

والذي يظهر لي صحة ما ذهب إليه الجمهور من استحباب وليمة العرس، ويقوي هذا القول عندي ما أورده الإمام الماوردي في الحاوي من أدلة وبراهين صحيحة وقوية في إثبات استحباب الوليمة، والله تعالى أعلم وأحكم.

ثالثًا: جواز الوليمة دون ذبح:

عن أنس بن مالك أن النبي r «أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ»- أخرجه البخاري بنحوه (371) وصحيح أبي داود (3744) وصححه العلامة مقبل بن هادي الوادعي (3/78) واللفظ لأبي داود.

جاء في تحفة الأحوذي (4/ 183):

ولولا ثبوت أنه r أولم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل على أن الشاة أقل ما تجزئ في الوليمة ومع ذلك فلابد من تقييده بالقادر عليه.

قال عياض: وأجمعوا على أن لا أحد لأكثرها وأما أقلها فكذلك ومهما تيسر أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج.

رابعًا: إجابة الداعي إلى وليمة العرس:

اختلف الفقهاء في حكم إجابة الداعي إلى وليمة العرس على قولين:

القول الأول:

وجوب الإجابة إلى وليمة العرس دون غيرها من الولائم، وإليه ذهب جمهور أهل العلم: الحنفية والمالكية وجمهور الشافعية والحنابلة.

وحجتهم:

1- عن ابن عمر قال: قال رسول الله r: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». أخرجه البخاري (5173) ومسلم (1429).

وفي رواية: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيُجِبْ- أخرجه مسلم (98-1429).

2- عن جابر قال: قال رسول الله r: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ». أخرجه مسلم (1430) وأبو داود (3740) وغيرهما.

3- عن الأعرج عن أبي هريرة t أنه كان يقول: «بِئْسَ الطَّعَامُ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى إِلَيْهِ الْأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الْمَسَاكِينُ. فَمَنْ لَمْ يَأْتِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ »- أخرجه البخاري (5177) ومسلم (1432) قال الحافظ: وأول هذا الحديث موقوف ولكن آخره يقتضي رفعه، فتح الباري (9/153).

وجه الدلالة:

دلت الأحاديث على وجوب إجابة الدعوة إلى وليمة العرس، لأن الأمر للوجوب ما لم يأت صارف، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الذي لم يجب عاصيًا، والعصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب- فتح الباري (9/154)، شرح منتقى الأخبار (6/213).

القول الثاني: تجب الإجابة إلى كل دعوة من عرس وغيره، وإليه ذهب أهل الظاهر وبعض الشافعية والصنعاني.

وحجتهم:

 الأحاديث السابقة الدالة على الوجوب مطلقًا كما تقدم.

أقوال أهل العلم في ذلك:

جاء في الاستذكار (5/531-532):

قال مالك والثوري: يجب إتيان وليمة العرس، ولا يجب غيرها.

وقال الشافعي: إجابة وليمة العرس واجبة، ولا أرخص في ترك غيرها من الدعوات التي يقع عليها اسم وليمة كالإملاك والنفاس والختان وحادث سرور ومن تركها لم يتبين لي انه عاص كما تبين لي في وليمة العرس…

وقال الطحاوي: لم نجد عند أصحابنا -يعني أبا حنيفة- وأصحابه في ذلك شيئًا إلا في إجابة دعوة الوليمة فإنها تجب عندهم، قال: وقد يقال: إن طعام الوليمة إنما هو طعام العرس خاصة والله أعلم.

قال ابن عبد البر: وما أعلم خلافًا بين السلف من الصحابة والتابعين في القول بالوليمة وإجابة من دعى إليها.

وعلى كل حال، فإجابة دعوة الداعي إلى الطعام حسنة مندوب إليها مرغوب فيها، وهذا أقل أحوالها، وإلا أن يكون فيها من المناكير المحرمة ما يمنع من شهودها.

قال السيوطي في شرح غاية المنتهى (7/234):

وتجب حيث لا عذر نحو حر وبرد وشعل ككونه أجيرًا خاصًا لم يأذن له المستأجر إجابة داع مسلم يحرم هجره… إلى أن قال: وفعل الدعوات غير الوليمة مباحة، فلا تكره ولا تستحب نصًا، وأما عدم الكراهة فلحديث جابر مرفوعًا: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ»([1]) وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس- أخرجه مسلم (1430) وأبو داود (3740) وغيرهما.

قال الشوكاني في شرح منتقى الأخبار (6/213):

والظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب، ولجعل الذي لم يجب عاصيًا، وهذا في وليمة النكاح في غاية الظهور، وأما في غيرها من الولائم الآتية، فإن صدق عليها اسم الوليمة شرعًا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/154)

قوله «فقد عصى الله ورسوله» هذا دليل وجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب.

فائدة:

قال الحافظ ابن حجر بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى الوليمة:

وشرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يخص الأغنياء دون الفقراء وسيأتي البحث فيه في الباب الذي يليه وأن لا يظهر قصد التودد لشخص بعينه لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الأصح- فتح الباري (9/ 242).

تعقيب وترجيح

أرى -والله أعلم- وجوب الإجابة إلى كل وليمة سواء كانت وليمة عرس أو غير ذلك؛ لأن الأمر جاء في الأحاديث صريحًا، وأصل الأمر للوجوب ما لم يأت صارف يصرفه عن الوجوب كما تقرر في الأصول، والله تعالى أعلم.

خامسًا: ما يقول الرجل عند الزواج:

يسن للرجل عند دخوله على زوجته أن يقول هذا الدعاء المأثور عن النبي .

عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي r «إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ»- صحيح سنن أبي داود (2160).

سادسًا: ما يقول الرجل إذا أتى أهله:

– عن ابن عباس قال: قال النبي r: «أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ بِاسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا»- أخرجه البخاري (5165) ومسلم (1434).

 

مجلة التوحيد- المقالة الواحدة والأربعون  من فقه المرأة

                                                                 

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

.

Pin It on Pinterest

Share This