المقالة الثامنة والستون
فقه المرأة في رمضان_ الجزء الثاني
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فهذه بعض الأحكام المتعلقة بفقه المرأة في شوال عسى الله تعالى أن ينفع بها ويجعلها في ميزان حسناتنا.
أولًا: استحباب صيام ستة أيام من شوال:
ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب صيام ستًّا من شوال، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأكثر الحنفية وأكثر المالكية وداود الظاهري وغيرهم.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر»- أخرجه مسلم (1164).
وخالفهم في ذلك آخرون، قالوا: يكره صيام ستًا من شوال. وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك.
وحجتهم في ذلك: حتى لا يلحق صيام شوال بالفريضة، فيظن الناس أنه واجب كصيام رمضان.
أقوال أهل العلم في المسألة:
أولًا: من قال باستحباب صوم شوال:
قال النووي في شرح مسلم (4/313):
فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة.
قال السيوطي في مطالب أولي النهى (3/ 136):
بعد أن ذكر حديث الباب، قال أحمد: هو من ثلاثة أوجه عن النبي ﷺ ولا يجري مجرى التقديم لرمضان لأن يوم العيد فاصل.
ثانيًا: من قال بالكراهة:
جاء في بدائع الصنائع (2/ 117):
قال أبو يوسف: كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صوما خوفًا أن يلحق ذلك بالفريضة.
قال الكاساني: المكروه هو أن يصوم يوم الفطر ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة اهـ.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/380):
لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه، وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة وكان – رحمه الله – متحفظًا، كثيرَ الاحتياط للدين.
وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه فإن مالكًا لا يكره ذلك إن شاء الله.
ثانيًا: صيام الستة أيام من شوال متوالية عقب يوم الفطر أو متفرقة:
يجوز صيام الستة أيام من شوال متفرقة أو متتابعة في أول الشهر أو آخره، لأن الحديث ورد مطلقًا، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
جاء في المجموع شرح المهذب (6/427):
قال النووي: يستحب صوم ستة أيام من شوال لهذا الحديث، قالوا: ويستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز وكان فاعلاً لأصل هذه السنة لعموم الحديث وإطلاقه.
جاء في شرح غاية المنتهى (3/136):
وسن صوم ستة أيام من شوال ولو متفرقة، والأولى تتابعها.
ثالثًا:هل يجوز للمرأة صوم الستة من شوال قبل قضاء ما عليها من صيام رمضان؟
لم يرد في هذه المسألة نص من كتاب أو سنة ولم ينعقد الإجماع على شيء صريح، ولكن قال بعض أهل العلم: لا يجوز صيام الستة أيام من شوال قبل قضاء رمضان وحجتهم قول رسول الله ﷺ: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال» أخرجه مسلم (1164)، قالوا: الذي عليه صوم من رمضان لا يقال له صام رمضان لأنه لم يكمل عدة رمضان فلا يحصل له ثواب من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال.
ويرد على هذا القول من عدة وجوه:
الأول: أن صوم رمضان معلق في ذمتها، فإذا صامت ستًا من شوال ثم قضت ما عليها من صوم رمضان قبل دخول رمضان آخر فقد برئت ذمتها وحصل لها ثواب صوم الدهر كما جاء في الحديث، وأيضًا الحديث ليس فيه تصريح أن القضاء يكون أولًا ثم صوم الستة ثانيًا، ولكن جاء في الحديث: «من صام رمضان» والذي يؤجل قضاء رمضان بعد أن يصوم الستة ثم يقضي ما عليه قبل دخول رمضان آخر ينطبق عليه أنه صام رمضان.
الثاني: من أفطر أكثر رمضان لعذر مرض أو نحوه وأراد أن يصوم ستًا من شوال ليحصل على ثواب صوم الدهر، فإذا قلنا له: اقض ما عليك ثم صم الستة فقد يكون في ذلك مشقة كبيرة على بعض الناس.
أيضًا من أفطر رمضان كله لعذر وقلنا له: اقض ما عليك من صوم رمضان أولا، ثم صم الستة فلن يستطع بأي حال من الأحوال؛ لأن قضاء رمضان استحوذ على شوال كله وبذلك يفوته فضل صوم الستة.
الثالث: ثبت عن عائشة رضي الله عنها كما جاء في الصحيحين، أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان، ويبعُد عن عائشة رضي الله عنها أن تترك صوم الستة من شوال ويوم عرفة ويوم عاشوراء وصيام الاثنين والخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحو ذلك من صيام التطوع، فهذا دليل على جواز صيام التطوع قبل قضاء رمضان، ومن ثمَّ جواز صيام الستة من شوال قبل قضاء رمضان، وإن كان الأفضل تقديم القضاء على صيام الست من شوال ، والله تعالى أعلم بالصواب.
رابعًا: خروج المرأة يوم العيد:
عن أم عطية قالت: «كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرون بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطُهرته»-أخرجه البخاري (971) ومسلم (890).
عن أم عطية قالت: “كنا نؤمر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر. قالت: الحيض يخرجن فيكن خلف الناس. يكبرون مع الناس”- أخرجه البخاري (974)، ومسلم (11- 890) واللفظ لمسلم.
خامسًا: آداب يوم العيدين
التجمل فيه:
عن عبد الله بن عمر قال: «أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ قُلْتَ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ» وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الجُبَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ»– أخرجه البخاري (948).
– وهذا دليل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهورًا وروى ابن الأحمر في العيدين والجمعة بإسناده عن ابن عباس قال: «كان النبي ﷺ يلبس في العيدين بردة حبرة».
وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد والإمام أحق بذلك لأنه المنظور إليه-المغني (2/233).
الأكل يوم الفطر قبل الخروج:
– عن أنس قال: «كان رسول الله ﷺ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات».
وقال مرجأ بن رجاء: حدثني عبيد الله، قال حدثني أنس عن النبي ﷺ « وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا» -أخرجه البخاري (953).
أداء الصلاة في المصلى:
– عن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله ﷺ يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس – والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعة أو يأمر بشيء أمر به، ثم انصرف»- أخرجه البخاري (956) ومسلم (889).
قال الشافعي – رحمه الله -:
بلغنا «أن رسول الله ﷺ كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة» وكذلك من كان بعده وعامة أهل البلدان إلا أهل مكة، فإنه لم يبلغنا أن أحدًا من السلف صلى بهم عيدًا إلا في مسجدهم. وأحسب ذلك والله أعلم لأنه المسجد الحرام خير بقاع الدنيا، فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه ما أمكنهم -الأم (1/ 389).
قال مالك:
لا يصلي في العيدين في موضعين ولا يصلون في مسجدهم، ولكن يخرجون كما خرج رسول الله ﷺ. قال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله ﷺ يخرج إلى المصلى ثم استن بذلك أهل الأمصار- المدونة (1/ 248).
وفي الشرح الممتع (5/ 157):
وتسن في الصحراء : أي يسن إقامتها في الصحراء التي خارج البلد، وينبغي أن تكون قريبة لئلا يشق على الناس.
والدليل: فعل النبي ﷺ، وخلفائه الراشدين، فإنهم كانوا يصلونها في الصحراء ولولا أن هذا أمر مقصود لم يكلفوا أنفسهم ولا الناس أن يخرجوا خارج البلد.
صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة:
– عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: «لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى»- أخرجه البخاري (960).
مخالفة الطريق:
– عن جابر قال: «كان النبي ﷺ إذا كان يوم عيد خالف الطريق»-أخرجه البخاري (986).
– عن أبي هريرة «أن النبي ﷺ كان إذا خرج إلى العيد فرجع في غير الطريق الذي أخذ فيه» – صحيح ابن ماجه (1301) وصحيح الترمذي (541) وابن خزيمة (1468) والإرواء (3/ 104: 105).