فقه المرأة
باب النكاح – المقالة التاسعة والثلاثون
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
تحدثنا في المقالة السابقة عن عضل الولي للمرأة، ذكرنا فيها تعريف العضل وحكم عضل الولي للمرأة، وأثر عضل الولي للمرأة ونستكمل بعض الأحكام المتعلقة بفقه النكاح سائلين الله عز وجل أن يتقبل جهد المقل وأن ينفع به المسلمين.
أولًا: ولاية الكافر على المسلمة:
إذا كانت المرأة مسلمة ووليها كافر فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز أن يزوجها وليها الكافر، وإنما يزوجها الولي المسلم حتى ولو كان أبعد نسبًا؛ لأنه يشترط في ولي المرأة المسلمة أن يكون مسلمًا ولا يجوز أن يتولى عقد نكاحها كافر.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
1- قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [التوبة: 71].
2- قوله تعالى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141].
دلت الآيتان على أن المسلمين في النكاح بعضهم أولياء بعض ، وأنه لا ولاية للكافر على المسلم، فلا يجوز للكافر أن يلي نكاح المرأة المسلمة – بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 253)، الكافي في فقه أهل المدينة (2/ 522)
3- ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما أراد أن يتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكان أبوها وإخوتها كفارًا وهي مسلمة مهاجرة بأرض الحبشة تزوجها من أقرب عصباتها من المسلمين، وهو خالد بن سعيد بن العاص.
فعن عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق قال: بلغني أن الذي ولي نكاحها ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص ” قال الشيخ رحمه الله: وهو ابن عم أبيها فإنها أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، والعاص هو ابن أمية، وقد قيل: إن عثمان بن عفان رضي الله عنه هو الذي ولي نكاحها- أخرجه البيهقي في سننه الكبرى ( 13798).
دل الحديث على انتقال الولاية من الولي الكافر إلى الولي المسلم وإن كان أبعد
4- أجمعت الأمة على أن الكافر لا يكون وليًا للمرأة المسلمة- الحاوي الكبير (9/ 115).
قال ابن المنذر في الإجماع (ص: 78):
“وأجمعوا أن الكافر لا يكون وليًا لابنته المسلمة”.
5- ولأن الولاية تقتضي نفوذ قول الولي على المولى عليه، ولا نفاذ لقول الكافر على المسلم- الاختيار لتعليل المختار (3/ 96).
6- ولأن الولاية إنما شرعت نفعًا للمرأة ودفعًا للعار عنها، واختلاف الدين يمنع من ذلك. الحاوي الكبير (9/ 115).
ثانيًا ولاية المسلم على الكافرة:
إذا كانت المرأة كافرة ووليها مسلم فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يلي نكاحها وليها المسلم وإنما يليه كافر مثلها أو يزوجها السلطان.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
-
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 73].
-
قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } [النساء: 141].
-
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71].
-
وكما أن اتحاد الدين شرط في التوارث ، فلا توارث بين المسلم والكافر، فكذلك الأمر بالنسبة للولاية في النكاح فلا يلي الكافرة مسلم– شرح مختصر الطحاوي للجصاص (4/ 249).
-
عن عائشة مرفوعًا وفيه: «فالسُّلْطَانُ وَلِيّ مَنْ لَا وَلَيَّ لَهُ»– صحيح سنن أبي داود (2083).
دل الحديث على جواز أن يزوج السلطان الكافرة؛ حيث لم يفرق بين المسلم وغيره، ولأن ولايته عامة فدخل فيها المسلم والكافر- المجموع شرح المهذب (16/ 157).
أقوال أهل العلم في المسألة:
جاء في الاختيار لتعليل المختار (3/ 96):
ولا ولاية لعبد ولا صغير ولا مجنون ولا كافر على مسلمة أما العبد فلأنه لا ولاية له على نفسه، فكيف يلي غيره؟ وكذا الصبي والمجنون؛ لأنهما لا نظر لهما ولا خبرة، وهذه ولاية نظرية. وأما الكافر فإن الولاية تقتضي نفوذ قول الولي على المولى عليه، ولا نفاذ لقول الكافر على المسلم كما في الشهادة، قال الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} [النساء: 141] . وثبتت له الولاية على ولده الكافر، قال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض} [الأنفال: 73] ، ولهذا تقبل شهادة بعضهم على بعض.
جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 387):
والحاصل أنه يمنع تولية الكافر للمسلمة وعكسه، فلا يكون المسلم ولياً للكافرة إلا لأمة له كافرة فيزوجها لكافر فقط، أو معتوقته الكافرة إن أعتقها وهو مسلم ببلاد الإسلام، فيزوجها، ولو لمسلم حيث كانت كتابية.
جاء الحاوي الكبير (9/ 115):
قال الماوردي: وأصل ذلك أن اتفاق الدين شرط في ثبوت الولاية على المنكوحة فلا يكون الكافر وليًا لمسلمة ولا المسلم وليًا لكافرة لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (النساء: 141) وقوله أيضا: {{لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } (المائدة: 51) فدلت هاتان الآيتان على أن له ولاية لكافر على مسلمة وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: 71) فدل على أن لا ولاية لمسلم على كافرة، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما أراد أن يتزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وكان أبوها وإخوتها كفارًا وهي مسلمة مهاجرة بأرض الحبشة تزوجها من أقرب عصباتها من المسلمين، وهو خالد بن سعيد بن العاص فدل على انتقال الولاية بالكفر عمن هو أقرب إلى من ساواها في الإسلام، وإن كان أبعد فلأن الله تعالى قد قطع الموالاة باختلاف الدين فلم يثبت الولاية معه كما لم تثبت الميراث، وإنما الولاية إنما شرعت لطلب الحظ لها ودفع العار عنها واختلاف الدين يصد عن هذا أو يمنع منه كما قال تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 10].
جاء في المجموع شرح المهذب (16/ 157):
ولا يجوز للمسلم أن يزوج ابنته الكافرة، ولا للكافر أن يزوج ابنته المسلمة لان الموالاة بينهما منقطعة، والدليل عليه قوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) وقوله سبحانه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ولهذا لايتوارثان ويجوز للسلطان أن يزوج نساء أهل الذمة، لان ولايته تعم المسلمين وأهل الذمة.
جاء في المغني لابن قدامة (7/ 27):
وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة، غير السيد والسلطان وولي سيد الأمة الكافرة؛ وذلك لقول الله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 73] . ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر، ولا يعقل عنه، فلم يل عليه، كما لو كان أحدهما رقيقًا. وأما سيد الأمة الكافرة، فله تزويجها لكافر؛ لكونها لا تحل للمسلمين، وكذلك ولي سيد الأمة الكافرة يلي تزويجها لكافر؛ لأنها ولاية بالملك، فلم يمنعها كون سيد الأمة الكافرة مسلمًا، كسائر الولايات، ولأن هذه تحتاج إلى التزويج. ولا ولي لها غير سيدها
ثالثًا: ولاية المرتد:
إذا كان ولي المرأة مرتدًا عن الإسلام فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يكون وليًا لها، وكذا لا يكون المرتد وليًا على كافرة وعلى مرتد مثله.
وإذا ارتدت المرأة عن الإسلام فلا يكون وليها مسلم ولا غير مسلم؛ إذ لا يجوز أن تتزوج حال ردتها بمسلم ولا كافر ولا بمرتد مثلها.
جاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (2/ 109):
ولا يجوز نكاح المرتدة لأحد.
جاء في الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 213)
ولا يجوز أن يتزوج المرتد مسلمة ولا كافرة ولا مرتدة؛ لأنه مستحق للقتل والإمهال ضرورة التأمل، والنكاح يشغله عنه فلا يشرع في حقه، وكذا المرتدة لا يتزوجها مسلم ولا كافر ؛لأنها محبوسة للتأمل وخدمة الزوج تشغلها عنه ولأنه لا ينتظم بينهما المصالح والنكاح ما شرع لعينه بل لمصالحه.
جاء في الأم للشافعي (5/ 62):
ولا يجوز نكاح المرتدة وإن نكحت فأصيبت فلها مهر مثلها ونكاحها مفسوخ والعلة في فسخ نكاحها العلة في فسخ نكاح المرتد.
جاء في أسنى المطالب في شرح روض الطالب (3/ 162):
ولا يحل لأحد نكاح المرتدة لا من المسلمين؛ لأنها كافرة لا تقر كالوثنية، ولا من الكفار لبقاء علقة الإسلام فيها، ولا من المرتدين؛ لأن القصد من النكاح الدوام وهي ليست مبقاة.
جاء في المغني لابن قدامة (8/ 148):
لا يصح تزويج معتدة، ولا مرتدة، ولا مجوسية، ولا وثنية، ولا محرمة بالرضاع ولا المصاهرة.
مجلة التوحيد- المقالة التاسعة والثلاثون من فقه المرأة
للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com