>> المقال العشرن: كفن المرأة وكيفية الصلاة عليها وصلاة النساء في الجنائز
فقه المرأة
باب الجنائز – المقالة العشرون
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
ذكرنا في المقالة السابقة الإحداد على الميت، وحكم تغسيل المرأة لزوجها، وتغسيل الزوج لزوجته، وكذا تغسيل المرأة للصبي، ونستكمل أحكام الجنائز سائلين الله تعالى أن يتقبل جهد المقل وينفع به المسلمين.
أولًا: في كم ثوب تكفن المرأة؟
لم نقف على حديث مرفوع بسند يصح في كيفية تكفين المرأة، وعلى أن ذلك يكون في خمسة أثواب، اللهم إلا حديثا ذكره الحافظ في الفتح (3/133) وعزاه إلى الجوزقي من طريق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن هشام عن حفصة عن أم عطية، قالت: (فكفناها في خمسة أثواب وخمرناها كما يخمر الحي) قال الحافظ: هذه الزيادة صحيحة الإسناد وهذه الزيادة بمقتضاها قال أكثر أهل العلم.
عن أم عطية، قالت: توفيت بنت النبي فقال لنا «اغسلنها ثلاثا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن، فإذا فرغتن فآذنني»، فلما فرغنا آذناه فنزع من حقوه إزاره وقال: «أشعرنها إياه»- أخرجه: البخاري (1257)، ومسلم (939).
أشعرنها إياه: اجعلنه شعارًا لها، وهو الثوب الذي يلي الجسد، سمي شعارًا لأنه يلي الجسد- مسلم بشرح النووي (4/8).
وفي هذا الحديث جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل.
بعض الآثار التي جاءت في كفن المرأة:
1- عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: في كم تكفن المرأة؟ قال: «في ثلاثة أثواب درع وثوب فوقها تلف فيه قلت: ولا خمار؟ قال لا، ولكنها تجمع بالعصائب، إن لها هيئة كهيئة الرجل»- أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (6239).
الدرع: هو القميص أو ما يسمى العباية التي تلبسها المرأة.
2- عن منصور عن إبراهيم قال: «تكفن المرأة في خمسة أثواب: درع وخمار ولفاف ومنطق ورداء»- أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (11091) وعبد الرزاق في المصنف (6242).
3- عن هشام عن ابن سيرين قال: «تكفن المرأة في خمسة أثواب: درع وخمار وخرقة ولفافتين»- أخرجه: عبد الرزاق في المصنف (6234).
قلنا لعبد الرزاق، وكيف يصنع بالخرقة؟ قال: تجعل كهيئة الإزار من فوق الدرع.
4- عن إسرائيل عن عيسى بن أبي عزة، قال: «شهدت عامرًا الشعبي كفن ابنته في خمسة أثواب، وقال: الرجل في ثلاث» – أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (11086) وعبد الرزاق في المصنف (6244).
ذهب جمهور العلماء من السلف والخلف إلى أن المرأة تكفن في خمسة أثواب وحجتهم الحديث الذي صححه الحافظ في الفتح والذي ذكرناه في أول الباب وأيضًا الآثار التي جاءت بذلك.
وهذا مذهب الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة، وأهل الظاهر ولا نعلم لهم مخالفًا من السلف.
أقوال أهل العلم في كفن المرأة:
قال الخرقي في مختصره مع المغني (2/297، 298):
والمرأة تكفن في خمسة أثواب: قميص ومئزر ولفافة ومقنعة وخامسة تشد بها فخذها.
قال ابن المنذر:
أكثر من نحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفن المرأة في خمسة أثواب، وإنما استحب ذلك لأن المرأة تزيد في حال حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته، فكذلك بعد الموت، ولما كانت تلبس المخيط في إحرامها وهو أكمل أحوال الحياة استحب إلبسها إياه بعد موتها، والرجل بخلاف ذلك، فافترقا في اللبس بعد الموت، لافتراقهما فيه في الحياة، واستويا في الغسل بعد الموت لاستوائهما فيه في الحياة.
قال الشافعي في الأم (1/445):
والمرأة يصنع بها في الغسل والحنوط ما وصفت وتخالف الرجل في الكفن إذا كان موجودًا، فتلبس الدرع وتؤزر وتعمم وتلف ويشد ثوب على صدرها بجميع ثيابها، قال: وأحب إلي أن يجعل الإزار دون الدرع لأمر النبي في ابنته بذلك.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/19):
ولا ينبغي أن يزاد الرجل على ثلاثة أثواب، كذلك ينبغي لمن يجد أن لا تنقص المرأة عن خمسة أثواب: درع وخمار، وثلاث لفائف، يخمر رأسها بالخمار، وأما الدرع فيفتح في وسطه ثم تلبسه ولا يخاط من جوانبه وأحد اللفائف يلف على حجزتها وفخذيها حتى يستوي ذلك منها بسائر جسدها، ثم تدرج في اللفافتين كما يندرج الرجل.
جاء في فتح القدير (2/118):
وتكفن المرأة في خمسة أثواب قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط فوق ثدييها، لحديث أم عطية: «أن النبي أعطى اللواتي غسلن ابنته خمسة أثواب» ولأنها تخرج فيها حالة الحياة فكذا بعد الممات.
وجاء في المحلى (3/339):
وأفضل الكفن للمسلم: ثلاثة أثواب بيض للرجل يلف فيها لا يكون في قميص ولا عمامة ولا سراويل ولا قطن، والمرأة كذلك وثوبان زائدان.
قال الشوكاني في النيل (4/48، 49) بتصرف:
بعد أن ذكر حديث ليلى بنت فائق، قال: قال البخاري: قال الحسن الخرقة الخامسة يشد بها الفخذان والوركان تحت الدرع، قوله (قال البخاري: قال الحسن إلخ) وصله ابن أبي شيبة قال في الفتح: وهذا يدل على أن المرأة تكفن في خمسة أثواب، وروى الخوارزمي عن طريق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية أنها قالت: «وكفناها في خمسة أثواب، وخمرناها كما نخمر الحي» قال الحافظ وهذه الزيادة صحيحة الإسناد وقول الحسن إن الخرقة الخامسة يشد بها الفخذان والوركان قال به زفر، وقالت طائفة: تشد على صدرها ليضم أكفانها.
ثانيًا: أين يقوم الإمام من جنازة المرأة ؟
1- عن سمرة بن جندب قال: «صليت وراء النبي على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها»- أخرجه البخاري (1332)، ومسلم (964).
2- عن أبي غالب قال: «صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش فقالوا: يا أبا حمزة صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبي قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه، قال: نعم، فلما فرغ قال: احفظوا» – صحيح سنن الترمذي (1034)، وصحيح أبي داود (3194) وأخرجه الطحاوي في المعاني (2743)، وصحيح ابن ماجه (1494).
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقف الإمام عند وسط المرأة ورأس الرجل واستدلوا بأحاديث الباب، وهو قول الشافعية وبعض الحنفية وأهل الظاهر- المجموع (5/183)، مجمع الأنهر (1/183)، المحلى (3/345)،
وخالفهم في ذلك آخرون، قال أبو حنيفة: يقف الإمام عند صدر الرجل وكذلك المرأة فهما سواء، وقال مالك: يقوم عند وسط الرجل وصدر المرأة ، ورواية عن أحمد يقوم عند صدر الرجل ووسط المرأة وهو قول للشافعي- البناية شرح الهداية (3/224)، مواهب الجليل (2/227)، المغني (2/326).
أقوال أهل العلم:
جاء في شرح معاني الآثار (2/19):
بعد أن ذكر حديث أنس وحديث سمرة كما تقدم قال:
فبين أنس في هذا الحديث أن رسول الله كان يقوم من الرجل عند رأسه ومن المرأة من وسطها، على ما في حديث سمرة، فوافق حديث سمرة في حكم القيام من المرأة في الصلاة عليها كيف هو، وزاد عليه حكم الرجل في القيام منه للصلاة عليه ، فهو أولى من حديث سمرة.
جاء في المجموع (5/183):
السنة أن يقف الإمام عند عجيزة المرأة بلا خلاف للحديث، ولأنه أبلغ في صيانتها من الباقين، وفي الرجل وجهان ، الصحيح باتفاق المصنفين وقطع به كثيرون وهو قول أصحابنا المتقدمين أنه يقف عند رأسه اهـ.
قال ابن حزم في المحلى (3/345) مسألة 572…
ويصلي على الميت إمام يقف ويستقبل القبلة والناس وراءه صفوف، ويقف من الرجل عند رأسه ومن المرأة عند وسطها.
قال ابن قدامة في المغني (2/326):
لا يختلف المذهب في أن السنة أن يقوم الإمام في صلاة الجنازة حذاء وسط المرأة، وعند صدر الرجل أو عند منكبيه، وإن وقف في غير هذا الموضع خالف سنة الموقف وأجزأ.
فأما قول من قال يقف عند رأس الرجل، فغير مخالف لقول من قال بالوقوف عند الصدر لأنهما متقاربان فالواقف عند أحدهما واقف عند الآخر.
تعقيب وترجيح:
أرى والله أعلم أن الصواب مع من ذهب إلى أن الإمام يقف عند رأس الرجل ووسط المرأة للأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب.
ثالثًا: إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء، كيف توضع ليصلى عليها؟
1- عن نافع أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعًا فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة، فصفهن صفًا وحدًا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد، وضعا جميعًا والإمام يومئذ سعيد بن العاص وفي الناس ابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة فوضع الغلام مما يلي الإمام فقال رجل، فأنكرت ذلك فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت ما هذا؟ قالوا: هي السنة – أخرجه الدارقطني (1834)، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (6364)، وصحيح النسائي (1978).
2- عن أبي حصين عن موسى بن طلحة عن عثمان بن عفان: “أنه جعل الرجل يلي الإمام ، والمرأة أمام ذلك” – أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6360).
3- عن الأعمش عن إبراهيم أنه قال: إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء، كان الرجال يلون الإمام، والنساء أمام ذلك- أخرجه عبد الرزاق في المصنف (6361).
إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء صلى عليهم الإمام صلاة واحدة وجعل جنائز الرجال مما يلي الإمام وجنائز النساء مما يلي القبلة، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم واحتجوا بأحاديث الباب.
أقوال أهل العلم:
قال مالك في المدونة (1/257):
إذا اجتمعت جنائز الرجال والنساء، جعل الرجال مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة.
جاء في شرح المهذب (5/186):
قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يقدم إلى الإمام الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى.
قال ابن المنذر:
وممن قال يقدم الرجال مما يلي الإمام والنساء وراءهم: عثمان بن عفان وعلي وابن عمر وابن عباس والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وسعيد بن المسيب، والشعبي وعطاء والنخعي والزهري ويحيى الأنصاري، ومالك والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق، قال النووي: وبه أقول.
رابعًا: صلاة النساء على الجنازة:
عن عبد لله بن الزبير : “أن عائشة أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي قاص في المسجد فتصلى عليه” – أخرجه مسلم (973).
وفي رواية عن عائشة “أنها لما توفى سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي أن يمروا بجنازته في المسجد، فتصلي عليه، ففعلوا” – أخرجه مسلم (100، 973).
وللنساء أن يصلين على الجنازة كالرجال، ودليل ذلك أحاديث الباب، وهذا مذهب الجمهور، وأشار إليه الإمام النووي.
قال في شرح المهذب (5/170):
إذا حضر النساء مع الرجال فلا خلاف أنه لا يتوجه الفرض إليهن ولا يدخلن فيه، صرح به الشيخ أبو حامد والأصحاب، ولو لم يحضر إلا رجل ونسوة وقلنا لا يسقط الفرض بواحد وجب عليهن التتميم.
جاء في الإنصاف (2/513):
الصحيح من المذهب: أنه يسن لهن الصلاة عليه جماعة إذا لم يصل عليه رجال نص عليه كالمكتوبة، وقيل لا يسن لهن جماعة بل الأفضل فرادى.
وفي المدونة الكبرى (1/262):
سئل سحنون بن القاسم: هل يصلين النساء على الجنائز في قول مالك؟ قال: نعم.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (1/465):
وإذا صلين نساء جماعة على جنازة قامت الإمامة وسطهن كما في الصلاة المفروضة المعهودة.
مجلة التوحيد- المقالة العشرون من فقه المرأة
للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com