المقال السادس عشر_الخروج إلى المساجد واستئذان الزوج

>> المقال السادس عشر: الخروج إلى المساجد واستئذان الزوج

فقه المرأة

باب الصلاة – المقالة السادسة عشر

     بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلمِ.

     أما بعد:

     فقد بدأنا بفضل الله تعالى – في المقالة السابقة في فقه الصلاة، وذكرنا تعريف الصلاة وأهميتها، وبعض الأحكام المتعلقة بفقه المرأة في الصلاة، كأذان المرأة وإقامتها، وثياب المرأة في الصلاة، ووجوب سترة العورة، ونستكمل ما بدأناه في الحلقة السابقة، سائلين الله – جل وعلا – أن ينفع بها، وأن يجعلها في ميزان حسناتنا، وأن يرزقنا الإخلاص والقبول، إنه على كل شيء قدير، وهو نعم المولى ونعم النصير.

أولًا: جواز خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب على خروجهن فتنه:

اتفق الفقهاء على جواز خروج المرأة للمسجد إذا لم يترتب على خروجها فتنة- المبسوط للسرخسي (2/41)، الفواكه الدواني (1/207)، الحاوي الكبير (2/455)، المغني (2/149)، المحلى (2/170).

واستدلوا على ذلك بعدة أدلة:

1- عن أم سلمة زوج النبي r قالت: « أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ المَكْتُوبَةِ، قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ r وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r، قَامَ الرِّجَالُ »- أخرجه البخاري: (866).

2- عن عائشة قالت: إن كان رسول الله r ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس – أخرجه البخاري: (867).

3- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r « أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ » أخرجه مسلم: (444).

4- عن بسر بن سعيد أن زينب الثقفية كانت تحدث عن رسول الله r أنه قال: « إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ »- أخرجه مسلم: (443)

جاء في فتح الباري: (2/406 : 407):

 قال ابن دقيق العيد:

هذا الحديث عام في النساء، إلا أن الفقهاء خصوه بشروط: منها أن لا تتطيب، وهو في بعض الروايات « وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ »

قلت: هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي غير متطيبات، ويقال امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح، وهو عند أبي داود وابن خزيمة من حديث أبي هريرة وعند ابن حبان من حديث زيد بن خالد وأوله « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ » ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود « إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا » انتهي.

قال: ويلحق بالطيب ما في معناه؛ لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة، كحسن الملبس، والحلي الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال.

ثانيًا: استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد:

1- عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي r « إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْنَعْهَا»- أخرجه البخاري: (873).

2- عن ابن عمر قال: ” كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟

قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله r: « لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ الله »- أخرجه البخاري: (900)، ومسلم: (442).

3- عن ابن عمر عن النبي r قال: «ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ»- أخرجه البخاري: (899)، ومسلم: (139-442).

ثالثًا: فضل صلاة النساء في بيوتهن:

 وردت عدة أحاديث في فضل صلاة المرأة في بيتها، وكون ذلك أفضل من صلاتها في المسجد، وفي كل هذه الأحاديث مقال، ولكنها بمجموع طرقها ترتقي إلى الصحة.

1- عن ابن عمر قال: قال رسول الله r « لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ »- صحيح أبي داود (576)، وابن خزيمة (1684).

2- عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي r قال: « صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا»- صحيح أبي داود (750)، وابن خزيمة (1690).

المخدع: البيت الصغير الذي يكون داخل البيت الكبير تحفظ فيه الأمتعة النفيسة.

3- عن أم حميد الساعدية: « انَّهَا جَاءَتِ النَّبِيَّ r. فَقَالَتْ: يَارَسُولَ اللهِِ، إِنِّي اُحِبُّ الصَّلاةَ مَعَكَ، قال: قَدْ عَلِمْتُ انَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلاةَ مَعِي. وَصَلاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلاتًكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلاتِكِ فِي الجَماعةِ»- أخرجه أحمد في المسند (27090)، وابن خزيمة (1689)، وابن حبان (2217).

قال ابن حجر في الفتح (2/407):

 وإسناد أحمد حسن وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود.

ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل  لتحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة.

رابعًا: إمامة المرأة للنساء:

1- عن رائطة الحنفية قالت: «أمتنا عائشة فقامت بينهن في الصلاة المكتوبة»- أخرجه أحمد في “العلل” (2/552)، والدارقطني (1/404)، ومن طريقه البيهقي في “الكبرى” (3/131)، وعبد الرزاق (3/141)، ومن طريقه ابن المنذر في “الأوسط” (4/227)، وابن سعد في “الطبقات” (8/483)، ورائطة الحنفية مجهولة، وله طرق أخرى يتقوى بها- انظر المحلى (3/127،126)، والمصنف لابن أبي  شيبة (2/89).

2- وعن حجيزة بنت حصين قالت «أمتنا أم سلمة في صلاة العصر فقامت بيننا»- أخرجه الدارقطني: (1493) وقال الحافظ في التلخيص (3/109): أخرجه عبد الرزاق من طريق الدارقطني وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن أم الحسن

جاء في المحلى (3/135):

وصلاة المرأة بالنساء جائزة ولا يجوز أن تؤم الرجال. واستدل بحديث أم سلمة كما تقدم.

قال ابن قدامة في المغني (2/131):

اختلفت الرواية: هل يستحب أن تصلي المرأة بالنساء جماعة؟

فروي أن ذلك مستحب وممن روي عنه أن المرأة تؤم النساء: عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور.

وروي عن أحمد رحمه الله: أن ذلك غير مستحب وكرهه أصحاب الرأي، وإن فعلت أجزأهن.

قال الشعبي والنخعي وقتادة: لهن في التطوع دون المكتوبة وقال الحسن وسليم بن يسار: لا تؤم في فريضة ولا نافلة.

وقال مالك: لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحداً لأنه يكره لها الأذان وهو دعاء الجماعة، فكره لها ما يراد الأذان له.

ولنا حديث أم ورقة ولأنهن من أهل الفرض، فأشبهن الرجال، وإنما كره لهن الأذان لما فيه من رفع الصوت ولسن من أهله.

تعقيب وترجيح

والذي أختاره في ذلك وأرجحه هو جواز صلاة المرأة بالنساء بغير كراهة، فأحاديث الباب تدل على ذلك، لأن عائشة رضي الله عنها زوج رسول الله  r  يبعُد أن تفعل ما كان مكروهًا، فقد كانت من أعلم الناس بسنة رسول الله  r ، وكذا أم سلمة زوج النبي  r  أمت النساء كما جاء في حديث حجيزة بنت حصين المتقدم، وهذا ما ذهب إليه الثوري والأوزاعي والشافعي وهو قول في مذهب أحمد وأهل الظاهر وغيرهم، والله أعلم.

     خامسًا: المرأة وحدها تكون صفًا:

عن أنس بن مالك قال: « صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ، فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ r، وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا»- أخرجه البخاري: (727).

جاء في  فتح الباري (2/249).:

قال ابن رشيد:

الأقرب أن البخاري قصد أن يبين أن هذا مستثنى من عموم الحديث الذي فيه «لَا صَلَاة لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّف» يعني أنه مختص بالرجال، والحديث المذكور أخرجه ابن حبان من حديث علي بن شيبان ، وفي صحته نظر .

واستدل ابن بطال على صحة صلاة المنفرد خلف الصف خلافًا لأحمد، قال: لأنه لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى ، لكن لمخالفة أن يقول: إنما ساغ ذلك لامتناع أن تصف مع الرجال، بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلاً من حاشية الصف فيقوم معه فافترقا.

سادسًا: النساء تقف خلف الرجال في صلاة الجماعة:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: « خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا »-أخرجه مسلم: (440)

أما صفوف الرجال فهي على عمومها، فخيرها أولها أبدًا، وشرها آخرها أبدًا. أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال، فهن كالرجال: خير صفوفهن أولها، وشرها آخرها.

والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء: أقلها ثوابا وفضلا، وأبعدها من مطلوب الشرع، وخيرها بعكسه. وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة، الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن لعكس ذلك. والله أعلم- شرح النووي على صحيح مسلم (2/395).

 

 

مجلة التوحيد- المقالة السادسة عشر  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

 

 

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

 

Pin It on Pinterest

Share This