>> المقال الخامس عشر: الصلاة وأهميتها والأذان والإقامة للنساء وثياب المرأة في الصلاة
فقه المرأة
باب الصلاة – المقالة الخامسة عشر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلمِ.
أما بعد:
فقد انتهينا – بفضل الله تعالى – من فقه الطهارة وما يتعلق به من أحكام تخص المرأة، ونشرع في فقه الصلاة، سائلين الله عز وجل أن ييسر فقه هذا الباب العظيم وسائر أبواب الفقه للمسلمات إنه على كل شيء قدير.
تعريف الصلاة:
الصلاة في اللغة: الدعاء.
قال الله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ [التوبة: 103] أي ادعُ لهم– مقاييس اللغة ( 3/300).
شرعًا: التعبد لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم، مع النية ، بشرائط مخصوصة – مواهب الجليل ( 1/377)، الشرح الممتع (2/5).
ولا شك أن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد النطق بالشهادتين، كما في حديث ابن عمر، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان “ – أخرجه: البخاري (8)، ومسلم (19).
وهي أيضًا عمود الإسلام؛ قال صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد» – أخرجه: الترمذي (2616)، وابن ماجه (3973)، والنسائي (11330)، والألباني في الإرواء (2/138).
وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، بدليل ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» – أخرجه الترمذي (413)، والنسائي (322) والطبراني في الأوسط (3782) وصححه الألباني في المشكاة (1330).
الأحكام المتعلقة بفقه المرأة في الصلاة:
أولًا: هل على النساء أذان وإقامة؟
لم يرد حديث صحيح يوجب الأذان والإقامة على النساء، إلا ما روي عن طاوس قال: «كانت عائشة تؤذن وتقيم» أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1922) وعبد الرزاق في المصنف (5016)، وقد ضعف هذا الحديث بعض أهل العلم، ولم يرد نصًا أيضًا ينهى النساء عن ذلك.
وها هي بعض الآثار التى وردت عن السلف وأقوال أهل العلم في المسألة.
عن وهب بن كيسان قال: «سأل ابن عمر هل على النساء أذان فغضب وقال: أنهى عن ذكر الله؟!»- مصنف ابن أبي شيبة (1/223)، قال الألباني في تمام المنة (153) إسناده جيد.
وعن عطاء قال: «تقيم المرأة لنفسها إذا أرادت أن تصلي»- أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/126).
وعن سعيد بن المسيب والحسن قالا: “ليس على النساء أذان ولا إقامة”- أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1920) وابن أبي شيبة في المصنف (1/222) وعبد الرزاق في المصنف (3/127).
أقوال أهل العلم في المسألة:
قال ابن حزم في المحلى (2/169) مسألة 320:
ولا أذان على النساء ولا إقامة، فإن أذن وأقمن فحسن؛ برهان ذلك: أن أمر رسول الله r بالأذان إنما هو لمن افترض عليهم رسول الله r الصلاة في جماعة بقوله r: «فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ » وليس النساء ممن أمرن بذلك. فإذا هو قد صح، فالأذان ذكر الله تعالى والإقامة كذلك، فهما في وقتهما فعل حسن.
جاء في المدونة (1/185):
قال مالك: ليس على النساء أذان ولا إقامة قال: وإن أقامت المرأة فحسن.
قال الشافعي في الأم (1/171):
ليس على النساء أذان وإن جمعن الصلاة، وإن أذن فأقمن فلا بأس، ولا تجهر المرأة بصوتها، وتؤذن في نفسها، وتسمع صواحبتها إذا أذنت، وكذلك تقيم إذا أقامت، وكذلك إن تركت الإقامة لم أكره لها من تركها ما أكره للرجال وإن كنت أحب أن تقيم.
قال ابن قدامة في المغني (1/301):
ليس على النساء أذان ولا إقامة، وكذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد ابن المسيب والحسن وابن سيرين والنخعي والثوري ومالك وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافًا، وهل يسن لهن ذلك؟
فقد روي عن أحمد أنه قال إن فعلن فلا بأس، وإن لم يفعلن فجائز، وقال القاضي: هل يستحب لها الإقامة؟ على روايتين، وعن جابر أنها تقيم، وبه قال عطاء ومجاهد والأوزاعي، وقال الشافعي: إن أذنَّ وأقمنَ فلا بأس.
ثانيًا: ثياب المرأة في الصلاة ووجوب ستر العورة:
عن عائشة قالت: «لقد كان رسول الله r يصلى الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات مُتَلَفعَات في مُروطِهِن ثم يَرْجعن إلى بُيوتهن لا يَعرفهن أحد» – أخرجه البخاري: (372)، ومسلم (645).
عن أم عطية قالت: «أمرنا أن نخرج الحيض يوم العيدين وذوات الخدور، فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض عن مصلاهن قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا ليس لها جلباب قال: « لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا»- أخرجه البخاري: (351)، ومسلم (890).
ونذكر بعض الآثار عن السلف في ثياب المرأة:
عن نافع عن ابن عمر قال: «إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها الدرع والخمار والملحفة»- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (6174)، قال الألباني في تمام المنة (162) إسناده صحيح.
الملحفة: أي: الجلباب.
عن عروة قال: «قالت امرأة لأبي: إني امرأة حبلى وإنه يَشُق عليَّ أن أصلي في المنطق أفأصلي في دِرْع وخمار قال: نعم إذا كان الدِّرْع سابغًا – إسناده صحيح، أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/130) ومالك في الموطأ (475).
المنطق: أي: ما يشد به الوسط.
الدرع: أي: القميص وهو ما يسمى بالعبائة.
سابغًا: أي: ساتراً.
عن الحسن قال: «تصلي المرأة في درع وخمار»- أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/128).
ذهب جمهور العلماء إلى وجوب ستر جسد المرأة كله إلا الوجه والكفين، وقال أبو حنيفة وشيخ الإسلام يجب ستر جسد المرأة كله إلا الوجه والكفين والقدمين.
وننقل ههنا بعض أقوال أهل العلم.
قال ابن حزم في المحلى (2/241) مسألة 349 بتصرف.
والعورة المفترض سترها على الناظرين وفي الصلاة قال: من المرأة جميع جسمها حاشا الوجه والكفين فقط، والحرة والأمة سواء في كل ذلك ولا فرق، ثم ذكر حديث أم عطية المتقدم في الباب ثم قال (ص 248) وهذا أمر بلبسهن الجلابيب للصلاة والجلباب في لغة العرب التي خاطبن بها رسول الله r هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه فصح ما قلنا.
وعن محمد بن أبي بكر عن أمه أنها سألت أم سلمة أم المؤمنين في كم تصلي المرأة؟ قالت: «في الدرع السابغ الذي يواري ظهور قدميها وفي الخمار».
جاء في عون المعبود (2/243):
ذكر حديث أم سلمة أنها سألت النبي r أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ، وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهَا إِزَارٌ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا»-ضعفه كثير من أهل العلم وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص (1/668) الصواب أنه موقوف ا.هـ.
قال وفي الخبر دليل على صحة قول من لم يجز صلاتها إذا انكشف من بدنها شيء، ألا تراه عليه السلام يقول: « إِذَا كَانَ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا » فجعل منه شرط جواز صلاتها لئلا يظهر من أعضائها شيء. انتهى.
قال المنذري: وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وفيه مقال ولم يذكر أحد منهم النبي r أي لم يرفع أحد منهم هذا الحديث بل قصروا به أي وقفوه على أم سلمة أي جعلوه قولها لا قول النبي r .
جاء في شرح الموطأ للزرقاني (1/352):
قال ابن المنذر:
بعد أن حكى عن الجمهور أن الواجب على المرأة أن تصلي في درع وخمار، المراد بذلك تغطية بدنها ورأسها فلو كان الثوب واسعًا فغطت رأسها بفضله جاز، قال: وما رويناه عن عطاء أنه قال: «تصلي في درع وخمار وإزار» وعن ابن سيرين مثله، وزاد وملحفة، فإني أظنه محمولاً على الاستحباب.
جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/114 : 115) بتصرف:
الوجه واليدان والقدمان ليس لها أن تبدي ذلك للأجانب على أصح القولين، بخلاف ما قال قبيل النسخ بل لا تبدي إلا الثياب وأما ستر ذلك في الصلاة فلا يجب باتفاق المسلمين بل يجوز لها إبداؤهما في الصلاة عند جمهور العلماء كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو إحدى الروايتين عن أحمد. فكذلك القدم يجوز إبداؤه عند أبي حنيفة وهو الأقوى.
وبالجملة قد ثبت بالنص والإجماع أنه ليس عليها في الصلاة أن تلبس الجلباب الذي يسترها إذا كانت في بيتها وإنما ذلك إذا خرجت.وحينئذ فتصلي في بيتها وإن رُئِيَ وجهها ويداها وقدماها.
قال الصنعاني في سبل السلام (1/198):
ويباح كشف وجه المرأة حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي، فهذه عورتها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة.
قال الشافعي في الأم (1/181):
وعلى المرأة أن تغطي في الصلاة كل بدنها ما عدا كفها ووجهها.
تعقيب وترجيح:
أرى- والله تعالى أعلم- أن الصواب ما ذهب إليه جماهير العلماء منهم: الشافعي ومالك وابن حزم وغيرهم من وجوب تغطية المرأة بدنها ورأسها وسائر جسدها بثوب واسع، ويستثنى الوجه والكفين لما تقدم من أدلة على ذلك، والله تعالى أعلم.
مجلة التوحيد- المقالة الخامسة عشر من فقه المرأة
للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com