>> فقه المرأة_المقال الثاني: رطوبة فرج المرأة
فقه المرأة
باب الطهارة – المقالة الثانية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فقد كان موضوع المقالة السابقة عن بيان أنواع الافرازات الخارجة من المرأة وحكمها، وقد ذكرنا منها أربعة أنواع، وهي المذي، والودي، والمني، والصفرة والكدرة، وبقي النوع الخامس، وهو رطوبة فرج المرأة، ولا يخفى أن معرفة المرأة لهذا النوع من الإفرازات من الأهمية بمكان.
خامسًا رطوبة فرج المرأة:
الرطوبة لغة: مصدر رطب، وهي بمعنى البلل، قال ابن منظور: الرَّطب بالفتح ضد اليابس. والرطبُ: الناعم. قال ابن الأعرابي: يقال للرطب: رطب يرطب، ورطب يرطب رطوبة؛ والرطب: المبتل بالماء- لسان العرب (4/166 ) مادة رطب .
الرطوبة اصطلاحًا: ماء أبيض متردد بين المذي والعرق فلهذا اختلف فيها– انظر المجموع شرح المهذب للنووي (2/570).
حكمها:
للعلماء في رطوبة فرج المرأة قولان:
القول الأول: رطوبة فرج المرأة نجسة ناقضة للوضوء، وحجتهم في ذلك:
- القياس على المذي فإنه نجس ناقض للوضوء.
- كل ما خرج من السبيلين نجس، ورطوبة فرج المرأة خارجة من أحد السبيلين.
- الحديث الذي أخرجه الشيخان، وفيه أن أبي بن كعب قال يا رسول الله: إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال: «يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ ويصلي» قال أبو عبد الله: «الغسل أحوط، وذاك الآخر، وإنما بينا لاختلافهم»– صحيح البخاري (293) وصحيح ومسلم (346). وهذا حديث منسوخ، فقد انعقد الإجماع على وجوب الغسل بالجماع أنزل أم لم ينزل.
قال النووي في شرح مسلم ( 2/ 273 ):
“اعلم أن الأمة مجتمعة على وجوب الغسل بالجماع، وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال… إلى أن قال: وأما حديث أبي بن كعب ففيه جوابان: أحدهما: أنه منسوخ، والثاني: أنه محمول على ما إذا باشرها فيما دون الفرج والله أعلم. أ.هـ.
وممن ذهب إلى نجاسة رطوبة فرج المرأة كثير من المالكية ( مواهب الجليل 1/105 )، والمشهور من مذهب الشافعية ( المجموع شرح المهذب للنووي 2/570)، وطائفة من الحنفية ( رد المحتار على الدر المختار 1/349 ) ، وهو قول في مذهب أحمد ( المغني لابن قدامة 2/65 ).
القول الثاني: رطوبة فرج المرأة طاهرة، وحجتهم في ذلك:
1- حديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم في صحيحه: وفيه أنها قالت: ( وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللهِ فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ )- صحيح مسلم (288).
فمني النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا من جماع، إذ الاحتلام في حق الأنبياء غير جائز؛ لأنه من تلاعب الشيطان، وبناء على ذلك فمخالطة منيه صلى الله عليه وسلم لرطوبة فرج زوجه ضرورة، فدل هذا على طهارة رطوبة فرج المرأة.
وهذا ما ذهب إليه الشافعي في أحد قوليه ( المجموع شرح المهذب للنووي 2/570 )، والصحيح من مذهب أحمد ( المغني لابن قدامة 2/65 )، وهو قول أبي حنيفة ( حاشية ابن عابدين 1/313 ) .
أقوال الفقهاء في المسألة:
قال الشيرازي في المهذب (2/570):
وأما رطوبة فرج المرأة فالمنصوص أنها نجسة؛ لأنها رطوبة متولدة في محل النجاسة فكانت نجسة، ومن أصحابنا من قال: هي طاهرة كسائر رطوبات البدن.
قال النووي في المجموع ( 2/571):
قال صاحب الحاوي في باب ما يوجب الغسل: نص الشافعي رحمه الله في بعض كتبه على طهارة رطوبة الفرج، وحكي التنجيس عن ابن سريج، فحصل في المسألة قولان منصوصان للشافعي، أحدهما: ما ذكره المصنف، والآخر نقله صاحب الحاوي، والأصح طهارتها.
وقال النووي في شرح مسلم (2/274)
في معرض شرح حديث الباب، وقوله صلى الله عليه وسلم ( يغسل ما أصابه من المرأة ) فيه دليل على نجاسة رطوبة فرج المرأة، وفيها خلاف معروف، والأصح عند بعض أصحابنا نجاستها، ومن قال بالطهارة يحمل الحديث على الاستحباب وهذا هو الأصح عند أكثر أصحابنا والله أعلم.
قال ابن قدامة في المغني ( 2/88 ):
وفي رطوبة فرج المرأة احتمالان:
أحدهما: أنه نجس؛ لأنه في الفرج لا يخلق منه الولد، أشبه المذي.
والثاني: طهارته؛ لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من جماع – فإنه ما احتلم نبي قط– وهو يلاقي رطوبة الفرج، ولأننا لو حكمنا بنجاسة فرج المرأة، لحكمنا بنجاسة منيها؛ لأنه يخرج من فرجها، فيتنجس برطوبته. وقال القاضي: ما أصاب منه في حال الجماع فهو نجس؛ لأنه لا يسلم من المذي، وهو نجس.
ولا يصح التعليل؛ فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي، كحال الاحتلام.
قال المرداوي في الإنصاف (1/322):
قوله: ( وفي رطوبة فرج المرأة روايتان ). أطلقهما في المذهب، ومسبوك الذهب، والكافي، والنظم، وابن تميم ذكره في باب الاستنجاء، والرعايتين، و الحاويين، والفائق، وغيرهم.
إحداهما، هو طاهر، وهو الصحيح من المذهب مطلقا. صححه في التصحيح، والمصنف، والشارح، والمجد، وصاحب مجمع البحرين، وابن منجى، وابن عبيدان في شروحهم، وغيرهم.
جاء في مختصر خليل ( ص: 16-17 ):
فصل في بيان الأعيان الطاهرة من الأعيان النجسة … والنجس ما استثني وميت غيره…إلى أن قال: ومني ومذي وودي وقيح وصديد ورطوبة فرج…
جاء في الدر المختار 1/349):
رطوبة الفرج طاهرة خلافا لهما.
قال الشوكاني في نيل الأوطار (2/141):
في معرض شرحه لحديث معاوية، قال: قلت لأم حبيبة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي ينام معك فيه؟ قالت: ” نعم، ما لم ير فيه أذى– أخرجه أحمد (26760) وابن خزيمة (776) ،والطبراني في “الكبير” (8255) وصححه الألباني “صحيح النسائي”(294).
ومن فوائد حديثي الباب أنه لا يجب العمل بمقتضى المظنة؛ لأن الثوب الذي يجامع فيه مظنة لوقوع النجاسة فيه، فأرشد الشارع صلى الله عليه وسلم إلى أن الواجب العمل بالمئنة دون المظنة. ومن فوائدهما كما قال ابن رسلان في “شرح السنن“: طهارة رطوبة فرج المرأة، لأنه لم يذكر هنا أنه كان يغسل ثوبه من الجماع قبل أن يصلي، ولو غسله لنقل. ومن المعلوم أن الذكر يخرج وعليه رطوبة من فرج المرأة. أ.هـ.
الراجح
ابتداء لابد أن نعلم أن المسألة لم يأت فيها نص من الكتاب أو السنة ولم ينعقد الإجماع على شيء، ولكن يمكن أن نخلص من المسألة بالآتي:
1- أن الأصل في الأعيان الطهارة، حتى يأتي دليل على نجاستها.
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (21/535):
“فاعلم أن الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالًا مطلقًا للآدميين، وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ومباشرتها ومماستها، وهذه كلمة جامعة، ومقالة عامة، وقضية فاضلة عظيمة المنفعة، واسعة البركة، يفزع إليها حملة الشريعة، فيما لا يحصى من الأعمال.أ.هـ.
2- قاعدة “المشقة تجلب التيسير” والاحتراز من رطوبة الفرج فيه من المشقة التي لا تخفى، وقد رفع تعالى عن عباده الحرج، قال ربنا تبارك وتعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج:78
3- من المعلوم عند علماء الأصول أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، قال جل ذكره (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (مريم: 64 ) ولو كانت رطوبة فرج المرأة نجسة لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنساء الأمة لشدة الحاجة لمعرفة الحكم.
4- قياس رطوبة فرج المرأة على المذي قياس مع الفارق، ؛ لأن المذي يخرج عند الشهوة، والرطوبة لا تخرج بشهوة، أما القياس على أن كل ما خرج من السبيلين نجس، فهذا الطرد لا يستقيم، فالريح تخرج من السبيلين وليست بنجسة؛ بدليل أننا لم نؤمر بالاستنجاء منها، والولد يخرج من قبل المرأة وهو طاهر.
5- حديث عائشة المتقدم أول المسألة، وإجابة الجمهور على أن مني الأنبياء لا يكون إلا من جماع، وأنه يلاقي رطوبة الفرج، فدل ذلك على طهارتها، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة، والصحيح من مذهب أحمد، والشافعي في أحد قوليه، والله تعالى أعلم.
وهل رطوبة فرج المرأة طاهرة ناقضة للوضوء أم طاهرة وغير ناقضة للوضوء؟
اعلم أنه لم يأت دليل من الكتاب أو السنة ولم يُنقل عن الصحابة القول بأن رطوبة الفرج ناقضة للوضوء وكذا لم ينعقد الإجماع.
وذهب جماهير العلماء إلى أن رطوبة فرج المرأة ناقضة للوضوء قياسًا على كل ما يخرج من السبيلين.
والتحقيق أن رطوبة فرج المرأة تخرج من مخرج الولد ( المهبل ) وليس من السبيلين، ولو سلمنا أنها تخرج من السبيلين فقد أشرنا – آنفًا – أنه ليس كل ما يخرج من السبيلين نجس.
وقال ابن حزم في معرض كلامه أن رطوبة فرج المرأة لا تنقض الوضوء:
برهان إسقاطنا الوضوء من كل ما ذكرنا، هو أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء في شيء من ذلك– (المحلى 1/236).
مجلة التوحيد- المقالة الثانية من فقه المرأة
للشيخة أم تميم
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com