المقال الثامن والعشرون_صيام الست من شوال وأحكام العيد

>> المقال الثامن والعشرون: صيام الست من شوال وأحكام العيد

 

 

فقه المرأة

باب الصيام – المقالة الثامنة والعشرون

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

فهذه بعض الأحكام المتعلقة بصيام الستة أيام من شوال والمتعلقة بعيد الفطر، أسأل الله تعالى أن يتقبل جهد المقل، وأن ينفع به المسلمين.

أولًا: يستحب صيام ستة أيام من شوال:

عن أبي أيوب الأنصاري  أن رسول الله  قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر»- أخرجه مسلم (1164).

ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب صيام ستًّا من شوال لحديث أبي أيوب المتقدم، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وكثير من الحنفية وكثير من المالكية وداود الظاهري وغيرهم، وخالفهم في ذلك آخرون، قالوا: يكره صيام ستًا من شوال حتى لا يلحق بالفريضة فيظن وجوبها، وهذا مذهب مالك، وأبي حنيفة.

أقوال أهل العلم:

قال السيوطي في مطالب أولي النهى (3/ 136):

بعد أن ذكر حديث الباب، قال أحمد: هو من ثلاثة أوجه عن النبي  ولا يجري مجرى التقديم لرمضان لأن يوم العيد فاصل.

قال النووي في شرح مسلم (4/313):

فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة.

وقال مالك وأبو حنيفة:

يكره ذلك، قال مالك في الموطأ: ما رأيت أحدًا من أهل العلم يصومها، قالوا: فيكره لئلا يظن وجوبه.

ودليل الشافعي وموافقه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، قولهم: قد يظن وجوبها، ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب.

قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/380):

لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه، وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة وكان – رحمه الله متحفظًا، كثيرَ الاحتياط للدين.

وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء في حديث ثوبان t فإن مالكًا لا يكره ذلك إن شاء الله.

جاء في بدائع الصنائع (2/ 117):

قال أبو يوسف: كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صوما خوفًا أن يلحق ذلك بالفريضة.

قال الكاساني:

المكروه هو أن يصوم يوم الفطر ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة اهـ.

ثانيًا: هل تصام الستة أيام من شوال متوالية عقب يوم الفطر أم متفرقة؟

يجوز صيام الستة أيام من شوال متفرقة أو متتابعة في أول الشهر أو آخره، لأن الحديث ورد مطلقًا، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.

جاء في شرح غاية المنتهى (3/136):

وسن صوم ستة أيام من شوال ولو متفرقة، والأولى تتابعها.

قال ابن رجب في لطائف المعارف (ص: 297):

إنه لا فرق بين أن يتابعها أو يفرقها من الشهر كله، وهما سواء وهو قول وكيع وأحمد.

جاء في المجموع شرح المهذب (6/427):

قال النووي: يستحب صوم ستة أيام من شوال لهذا الحديث، قالوا: ويستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز وكان فاعلاً لأصل هذه السنة لعموم الحديث وإطلاقه.

ثالثًا: هل يجوز صوم الستة من شوال قبل قضاء صيام رمضان؟

لم يرد في هذه المسألة نص من كتاب أو سنة ولم ينعقد الإجماع على شيء صريح، ولكن بعض أهل العلم قالوا: لا يجوز صيام الستة أيام من شوال قبل قضاء رمضان وحجتهم قول رسول الله : «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال»- أخرجه مسلم (1164)  قالوا: الذي عليه صوم من رمضان لا يقال له صام رمضان لأنه لم يكمل عدة رمضان فلا يحصل له ثواب من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال.

ويرد على هذا القول من عدة وجوه:

الأول: أن صوم رمضان معلق في ذمته، فإذا صام ستًا من شوال ثم قضى ما عليه من صوم رمضان قبل دخول رمضان آخر فقد برئت ذمته وحصل له ثواب صوم الدهر كما جاء في الحديث، وأيضًا الحديث ليس فيه تصريح أن القضاء يكون أولا ثم صوم الستة ثانيًا، ولكن جاء في الحديث: «من صام رمضان» والذي يؤجل قضاء رمضان بعد أن يصوم الستة ثم يقضي ما عليه قبل دخول رمضان آخر ينطبق عليه أنه صام رمضان.

الثاني: من أفطر أكثر رمضان لعذر مرض أو نحوه وأراد أن يصوم ستًا من شوال ليحصل على ثواب صوم الدهر، فإذا قلنا له: اقض ما عليك ثم صم الستة فقد يكون في ذلك مشقة كبيرة على بعض الناس.

أيضًا من أفطر رمضان كله لعذر وقلنا له: اقض ما عليك من صوم رمضان أولا، ثم صم الستة لم يستطع بأي حال من الأحوال؛ لأن قضاء رمضان استحوذ على شوال كله وبذلك يفوته فضل صوم الستة.

الثالث: ثبت عن عائشة رضي الله عنها كما جاء في الصحيحين، أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان، ويبعُد عن عائشة رضي الله عنها أن تترك صوم الستة من شوال ويوم عرفة ويوم عاشوراء وصيام الاثنين والخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحو ذلك من صيام التطوع، فهذا دليل على جواز صيام التطوع قبل قضاء رمضان، ومن ثمَّ جواز صيام الستة من شوال قبل قضاء رمضان،  وإن كان الأفضل تقديم القضاء على صيام الست من شوال ، والله تعالى أعلم بالصواب.

رابعًا: آداب يوم العيد:

1- التجمل فيه:

عن عبد الله بن عمر قال: «أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَخَذَهَا، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ  بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّكَ قُلْتَ: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ» وَأَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ الجُبَّةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ»أخرجه البخاري (948).

وهذا دليل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهورًا .

2- الأكل يوم الفطر قبل الخروج:

عن أنس قال: «كان رسول الله  لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات». وقال مرجأ بن رجاء: حدثني عبيد الله، قال حدثني أنس عن النبي  « وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا»-  أخرجه البخاري (953)

3- أداء الصلاة في المصلى:

عن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله r يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس – والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعة أو يأمر بشيء أمر به، ثم انصرف»- أخرجه البخاري (956) ومسلم (889).

قال مالك في المدونة (1/ 248):

لا يصلي في العيدين في موضعين ولا يصلون في مسجدهم، ولكن يخرجون كما خرج رسول الله . قال ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب، قال: كان رسول الله  يخرج إلى المصلى ثم استن بذلك أهل الأمصار.

قال الشافعي في  الأم (1/ 389).

بلغنا «أن رسول الله  كان يخرج في العيدين إلى المصلى بالمدينة» وكذلك من كان بعده وعامة أهل البلدان إلا أهل مكة، فإنه لم يبلغنا أن أحدًا من السلف صلى بهم عيدًا إلا في مسجدهم. وأحسب ذلك والله أعلم لأنه المسجد الحرام خير بقاع الدنيا، فلم يحبوا أن يكون لهم صلاة إلا فيه ما أمكنهم.

وفي الشرح الممتع (5/ 157) :

وتسن في الصحراء : أي يسن إقامتها في الصحراء التي خارج البلد، وينبغي أن تكون قريبة لئلا يشق على الناس.

والدليل: فعل النبي ، وخلفائه الراشدين، فإنهم كانوا يصلونها في الصحراء ولولا أن هذا أمر مقصود لم يكلفوا أنفسهم ولا الناس أن يخرجوا خارج البلد.

4- صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة:

عن ابن عباس وعن جابر بن عبد الله قالا: «لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى»- أخرجه البخاري (960).

5- مخالفة الطريق :

فيرجع في طريق غير الذي ذهب فيه؛ لما روي عن جابر قال: «كان النبي  إذا كان يوم عيد خالف الطريق»- أخرجه البخاري (986).

وعن أبي هريرة «أن النبي  كان إذا خرج إلى العيد فرجع في غير الطريق الذي أخذ فيه»- صحيح ابن ماجه (1301) وصحيح الترمذي (541) وابن خزيمة (1468) والإرواء (3/ 104: 105).

خامسًا: التكبير في عيد الفطر:

التكبير سنة مستحبة عند الجمهور، وأصله من الكتاب لقوله تعالى: لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة: 185] 

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2/306):

قوله تعالى: لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عطف عليه، ومعناه الحضّ على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور التأويل.

اختلف العلماء في حده – فذهب طائفة وهم الأكثرون أنه يبدأ من ليلة الفطر عند رؤية هلال شوال واستدلوا بقوله تعالى: لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وإكماله يكون برؤية هلال شوال ، وقالت طائفة أخرى: لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ يبدأ التكبير من وقت الخروج إلى الصلاة إلى أن يخرج الإمام للخطبة، وحجتهم أن التكبير يوم الفطر   .

تعقيب وترجيح:

الذي أعتقده في ذلك وأرجحه هو ما ذهب إليه كثير من أهل العلم من أن التكبير في العيد سُنة مستحبة ويبدأ ليلة الفطر عند رؤية هلال شوال، لقوله تعالى: لِ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ[البقرة: 185]، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وشيخ الإسلام.

 ولا يزالون يكبرون حتى يغدوا إلى المصلى وحتى يخرج الإمام للصلاة ثم يدعو التكبير، وهذا ما ذهب إليه الشافعي، والله أعلم.

سادسًا: صيغة التكبير:

1- عن منصور عن إبراهيم قال: «كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدهم مستقبل في دبر الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر ولله الحمد»- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5649)، والإرواء (3/125).

2- عن عكرمة عن ابن عباس «أنه كان يقول: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد- أخرجه ابن أبي شيبة (5654)، والإرواء (3/126).

سابعًا: صلاة العيد والتكبير فيها:

صلاة العيد ركعتان بالإجماع، وصفتها المجزئة كصفة سائر الصلوات وسننها وهيئاتها كغيرها من الصلوات، وينوى بها صلاة العيد- شرح المهذب (5/ 22).

أما التكبير فلم يرد حديث صحيح مرفوع عن النبي  في هذا الباب.

روى العقيلي عن أحمد أنه قال: ليس يروى في التكبير في العيدين حديث صحيح مرفوع- التلخيص الحبير (2/ 201).

الآثار التي صحت في الباب:

1- عن نافع مولى ابن عمر أنه قال: «شهدت الفطر والأضحى مع أبي هريرة، فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة»-  أخرجه مالك في الموطأ (1/ 136) والمصنف لابن أبي شيبة (5702) والشافعي في الأم (1/ 395).

2- عن عطاء عن ابن عباس «أنه كان يكبر في العيد في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح وفي الآخرة ستًا بتكبيرة الركعة كلهن قبل القراءة»- أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5703) وعبد الرزاق (5696).

3- عن عبد الله بن الحارث قال «صلى بنا ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات: خمسًا في الأولى وأربعًا في الآخرة والى بين القراءتين»- أخرجه ابن أبي شيبة (5707) وروى عبد الرزاق نحوه (5689).

4- عن أنس  «أنه كان يكبر في العيد تسعًا»- أخرجه ابن أبي شيبة (5710). فذكر مثل حديث عبد الله.

اختلفت الآثار عن السلف في عدد التكبيرات، وجمهور العلماء على أنها سبع في الأولى وخمس في الآخرة بعد القراءة.

تعقيب وترجيح:

الراجح عندي في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جماهير العلماء من أن التكبير في الأولى سبع غير تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس قبل القراءة، والله أعلم.

ثامنًا: هل يرفع يديه مع كل تكبيرة؟

لم يرد عن النبي r حديث صحيح يجيز رفع اليدين مع كل تكبيرة ولا يمنع، ولكن روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وقد ضعف هذا الأثر بعض أهل العلم.

وذهب الجمهور إلى رفع اليدين وهو قول أحمد والشافعي ورواية عن أبي حنيفة.

ومنع ذلك مالك وذهب إلى هذا القول ابن حزم والشوكاني.

والذي أراه – والله تعالى أعلم – أن الصواب هو ما ذهب إليه بعض أهل العلم من عدم رفع اليدين مع كل تكبيرة؛ لأنه لم يرد دليل صحيح ثابت عن رسول الله  بالرفع، فالأصل في العبادة التوقف حتى يأتي دليل، وهذا قول مالك وابن حزم وغيرهما، وبالله التوفيق.

تاسعًا: هل يصلي قبل صلاة العيد أو بعدها؟

1- عن ابن عباس «أن النبي r خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ومعه بلال»- أخرجه البخاري (989) ومسلم (884).

2- عن عبد الله بن عمر «لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها»- أخرجه مالك في الموطأ (1/ 136) وابن أبي شيبة (5741).

اختلف الفقهاء في هذه المسألة، فذهب فريق إلى المنع وحجتهم أن النبي r لم يكن يصلي قبلها ولا بعدها كما تقدم في حديث ابن عباس.

وقال آخرون: يجوز أن يصلي لأن الصلاة فعل خير في كل وقت.

وقال فريق: يصلي أربعًا بعدها – ولكل فريق سلف فيما ذهب إليه من الصحابة والتابعين.

تعقيب وترجيح

الذي أختاره وأرجحه ما ذهب إليه ابن عباس وابن عمر وغيرهما من الصحابة الكرام وما ذهب إليه الأئمة – الحنفية ومالك وأحمد وابن القيم والشوكاني وغيرهم – من كراهة التنفل قبل صلاة العيد وبعدها للإمام والمأموم في المصلى أو المسجد للأحاديث الصحيحة التي جاءت بذلك، ولا يكره أن يصلي قبل الصلاة وبعدها في بيته كما قال مالك وغيره، والله تعالى أعلم بالصواب.

عاشرًا: إذا فاتته صلاة العيد صلي ركعتين:

قال عطاء «إذا فاته العيد صلى ركعتين»- أخرجه البخاري معلقًا مع الفتح (2/ 550).

 

قال الحافظ في الفتح (2/550)

قوله (باب إذا فاته العيد) أي مع الإمام (يصلي ركعتين).

في هذه الترجمة حكمان:

مشروعية استدراك صلاة العيد إذا فاتت مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار، وكونها تُقضي ركعتين كأصلها.

وخالف الأول المزني فقال: لا تقضي، وفي الثاني الثوري وأحمد قالا: إن صلاها وحده صلى أربعًا، ولهما في ذلك سلف.

قال ابن مسعود: «من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعًا»- أخرجه سعيد بن منصور بإسناد صحيح.

قال إسحاق: إن صلاها في الجماعة فركعتين وإلا فأربعًا.

قال الزين بن المنير: كأنهم قاسوها على الجمعة، ولكن الفرق ظاهر، لأن من فاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر بخلاف العيد. انتهى

قال أبو حنيفة: يتخير بين القضاء والترك وبين الثنتين والأربع.

قال النووي في المجموع شرح المهذب (5/ 35):

إن الصحيح من مذهبنا أنها يستحب قضاؤها أبدًا. وحكاه ابن المنذر عن مالك وأبي ثور.

إحدى عشر: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه أيام العيد:

يرخص للمسلمين في هذا اليوم الترفيه عن النفس بفعل الأشياء المباحة، كزيارة الأهل والخروج للمنتزهات والتزاور فيما بينهم، وكذا يرخص للصبيان اللعب دون معصية.

     1- عن أبي هريرة قال: « بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ r بِحِرَابِهِمْ، إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ : «دَعْهُمْ يَا عُمَرُ»- أخرجه البخاري (2901)، ومسلم (893).

 الحصباء: هي الحصى الصغار.

2- عن عائشة «أن أبا بكر ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ، وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ r مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ  عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى»- أخرجه البخاري: (987).

3- قالت عائشة: “رأيت النبي  يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر فقال النبي : «دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ».يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ- أخرجه البخاري: (988).

ثاني عشر: هل التهنئة بالعيد سنة؟

 لم يرد حديث عن النبي r يذكر فيه التهنئة بالعيد، ولكن ورد عن الصحابة أنهم كانوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: “تقبل الله منا ومنكم”.

عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب النبي إذ التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم”- قال الألباني في تمام المنة (354، 356)، رواه المحاملي بإسناد رجاله كلهم ثقات.

سئل شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (24/253):

هل التهنئة في العيد وما يجري على ألسنة الناس “عيدك مبارك” وما أشبهه، هل له أصل في الشريعة أم لا؟ وإذا كان له أصل في الشريعة، فما الذي يقال؟ أفتونا مأجورين.

فأجاب:

أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك ونحو ذلك. فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ورخص فيه الأئمة، كأحمد وغيره. لكن قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد أجبته.

وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنة مأمورًا بها ولا هو -أيضًا- مما نهى عنه، فمن فعله، فله قدوة، ومن تركه، فله قدوه. والله أعلم.

مجلة التوحيد- المقالة الثامنة والعشرون  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

 

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

Pin It on Pinterest

Share This