المقال التاسع عشر_الإحداد على الميت وهل يغسل كلا من الزوجين الآخر؟ وغسل المرأة الصبي

>> المقال التاسع عشر: الإحداد على الميت وهل يغسل كلا من الزوجين الآخر؟ وغسل المرأة الصبي

فقه المرأة

باب الجنائز – المقالة التاسعة عشر

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

     شرعنا – بفضل الله تعالى –  في أحكام الجنائز ، وذكرنا أنه يحرم على المرأة النياحة على الميت ويجوز لها البكاء، وأيضًا أوضحنا الخلاف في مسألة  هل يعذب الميت بالنياحة عليه أم لا؟  وذكرنا أيضًا تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية والحلق عند المصيبة، ونستكمل ما بدأناه عسى الله تعالى أن ينفع بها ويجعلها في ميزان حسناتنا.

أولا: الإحداد على الميت:

معنى الإحداد: إحداد المرأة على زوجها بترك الزينة، وقيل: هو إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة، قال أبو عبيد: ونرى أنه مأخوذ من المنع لأنها قد منعت ذلك – لسان العرب (2/356).

لا يحل لامرأة أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا إذا كان الميت زوجها فتحد عليها أربعة أشهر وعشرًا.

قال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ [البقرة: 234].

عن أم حبيبة رضي الله عنها أن النبي قال: «لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام، إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا» أخرجه البخاري (5339).

عن أم عطية  رضي الله عنها قالت: «كنا ننهى أن نحد على ميت فوق ثلاثة، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغًا إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز»- أخرجه البخاري (5341).

ثوب عصب:

برود يمنية يعصب غزلها أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيًا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذ صبغ – اللسان (6/275).

قال النووي:

القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليس من مقصود الطيب، رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة –  فتح الباري (9/402).

وإن تركت المرأة الإحداد على غير الزوج إرضاء للزوج جاز لها ذلك.

والدليل على الجواز ما روي عن أنس بن مالك، قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن مما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «أعرستم الليلة؟» قال: نعم، قال: «اللهم بارك لهما» فولدت غلاما، – أخرجه البخاري (5470)، ومسلم (23-2144).

ثانيًا: هل للرجل أن يغسل زوجته، وللمرأة أن تغسل زوجها؟

عن عائشة قالت: «رجع إلي رسول الله  ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعًا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه، قال: «ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك» قلت: لكني أو لكأني بك والله لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك قالت: فتبسم رسول الله r ثم بدئ بوجعه الذي مات فيه.أخرجه أحمد في مسنده (26433) والبيهقي في السنن الكبرى (6758) وصحيح سنن ابن ماجه (1465).

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل النبي r غير نسائه – صحيح أبي داود (3141) والطيالسي (1634) والبيهقي (6717)، وأحمد (26837).

ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز غسل الرجل زوجته وغسل المرأة زوجها وحجتهم أحاديث الباب وأنه يبعد عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي  أن تتمنى شيئًا لا يجوز، وأيضا لم يرد نص يمنع الرجل من تغسيل زوجته ولا المرأة من تغسيل زوجها، فالأصل في المسألة الإباحة حتى يأتي نص بالتحريم، وهذا مذهب الشافعية ومالك وأحمد وأهل الظاهر.

 وخالفهم في ذلك الحنفية، قالوا: ليس للزوج غسل زوجته لأن الزوجية زالت فأشبه المطلقة البائن ولها أن تغسل الزوج.

أقوال أهل العلم في المسألة:

جاء في مختصر خليل (2/248، 249):

قال مالك: يغسل أحد الزوجين صاحبه وإن كان ثَمَّ غيره من الرجال والنساء ويستر كل واحد عورة صاحبه، وأجاز ابن حبيب أن يغسل كل واحد منهما صاحبه بادي العورة وقال اللخمي: الأمر في ذلك واسع.

وجاء في المجموع (5/122):

نقل ابن المنذر في كتابيه الإجماع والإشراف والعبدري وآخرون إجماع المسلمين أن للمرأة غسل زوجها وقد قدمنا رواية عن أحمد بمنعه، وأما غسله زوجته فجائز عندنا وعند جمهور العلماء، حكاه ابن المنذر عن علقمة وجابر بن زيد وعبد الرحمن بن الأسود وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد بن أبي سليمان ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وهو مذهب عطاء وداود وابن المنذر.

قال ابن حزم في المحلى (3/405) مسألة 617:

وجائز أن تغسل المرأة زوجها وأم الولد سيدها وإن انقضت العدة بالولادة، ما لم تنكحا، فإن نكحتا لم يحل لهما غسله إلا كالأجنبيات، وجائز للرجل أن يغسل امرأته وأم ولده وأمته، ما لم يتزوج حريمتها أو يستحل حريمتها بالملك، فإن فعل لم يحل له غسلها، وليس للأمة أن تغسل سيدها أصلا؛ لأن ملكها بموته انتقل إلى غيره، برهان ذلك قول الله تعالى:وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ [النساء: 12].

فسماها زوجه بعد موتها وهي -إن كانا مسلمين- امرأته في الجنة وكذلك أم ولده وأمته وكان حلالا له رؤية أبدانهن في الحياة وتقبيلهن ومسهن، فكل ذلك باق على التحليل، فمن ادعى تحريم ذلك بالموت فقوله باطل إلا بنص ولا سبيل له إليه.

جاء في الروضة الندية (1/233) بتصرف:

جواز غسل أحد الزوجين للآخر، أولى لقوله   لعائشة رضي الله عنها: «ما ضرك لو متِّ قبلي فغسلتك» وساق حديث عائشة كما ذكرناه ، وقالت عائشة: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله  إلا نساؤه» الحديث تقدم، وقد غسلت الصديق زوجته أسماء كما تقدم في الغسل لمن غسل ميتا وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه، وغسل علي فاطمة كما رواه الشافعي والدارقطني وأبو نعيم، والبيهقي بإسناد حسن اهـ.

وهذا مذهب أحمد انظر المغني (2/329، 330)

قال ابن الهمام في فتح القدير (2/113):

لا يغسل الزوج امرأته ولا أم الولد سيدها، خلافًا للشافعي في الأول، ولزفر في الثاني؛ لأنهما صارتا أجنبيتين وعدة أم الولد للاستبراء لأنها من حقوق الوصلة الشرعية، بخلاف عدة الزوجة، فلذا تغسل هي زوجها وإن كانت محرمة أو صائمة أو مظاهرًا منها.

وفي بدائع الصنائع (1/451):

قال الكاساني: أما المرأة فتغسل زوجها لما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لو استقبلنا من الأمر ما استدبرنا لما غسل رسول الله  إلا نساؤه، ومعنى ذلك أنها لم تكن عالمة وقت وفاة رسول الله  بإباحة غسل المرأة لزوجها ثم علمت بعد ذلك.

أما إذا ماتت المرأة حيث لا يغسلها الزوج لأن هناك انتهى ملك النكاح لانعدام المحل فصار الزوج أجنبيًا فلا يحل له غسلها.

تعقيب وترجيح

ما ذهب إليه جمهور أهل العلم -منهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد- من جواز غسل المرأة زوجها وغسل الرجل زوجته هو الصواب إن شاء الله وهو ما تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر، لقوة الأدلة في ذلك كما تقدم في أول الباب، والله أعلم.

ثالثًا: غسل  المرأة الصبي:

الأصل أن المرأة تغسل المرأة والجارية، ولكن إذا كان هناك ضرورة فقال أكثر أهل العلم إذا كان الصبي لم يبلغ حد الشهوة فلا بأس أن تغسل المرأة الصبي.

أقوال أهل العلم:

قال ابن المنذر:

وأجمعوا أن المرأة تغسل الصبي الصغير.

جاء في فتح القدير (2/113):

والصغير والصغيرة إذا لم يبلغا حد الشهوة يغسلهما الرجال والنساء ، وقدره في الأصل بأن يكون قبل أن يتكلم.

قال الحسن تغسله إذا كان فطيمًا أو فوقه بقليل، وقال مالك وأحمد: ابن سبع سنين، قال الأوزاعي ابن أربع أو خمس، وقال إسحاق ثلاث إلى خمس، قال: وضبطه أصحاب الرأي بالكلام فقالوا: تغسله ما لم يتكلم ويغسلها ما لم تتكلم.

قلت: ومذهبنا يغسلان ما لم يبلغا حدا يشتهيان.

تعقيب وترجيح:

ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من جواز غسل المرأة الصبي هو ما يترجح عندي.

أما حد ذلك، فالذي يظهر لي هو صحة قول الشافعية والحنفية ما لم يبلغ حد الشهوة وذلك حتى تؤمن الفتنة، والله تعالى أعلم بالصواب.

 

مجلة التوحيد- المقالة التاسعة عشر  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

 

 

 

 

 

 

 

Pin It on Pinterest

Share This