ج: أجمع العلماء قاطبة على تحريم الخمر، واختلفوا: هل هي حرام نجسة أم حرام ولكنها طاهرة.
فذهب فريق إلى أنها محرمة ونجسة، وحجتهم ظاهر قوله تعالى ” إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” [المائدة: 90]. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وشيخ الإسلام.
وقال آخرون: الخمر حرام وليست بنجسة، وحجتهم في ذلك: أن اقتران الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام في الآية يفيد التسوية في الحكم، ولم يقل أحد بنجاسة هذه الأشياء نجاسة حسية.
وأيضًا ما روي عن أنس رضي الله عنه: « كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ ». أخرجه البخاري (2464), ومسلم (1980).
وفي هذا الحديث دليل على عدم نجاسة الخمر؛ لأن الصحابة سكبوا الخمر في الطرق ولو كانت الخمر نجسة لأمر بغسل الطريق.
وعن ابن عباس: إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟» قَالَ: لَا، فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «بِمَ سَارَرْتَهُ؟»، فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: «إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا»، قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا. أخرجه مسلم (1579).
ولما أمر صلى الله عليه وسلم بإهراق الخمر ولم يأمر بغسل الراوية, دل ذلك على أنها ليست بنجسة.
ولأن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة، ولا دليل على النجاسة. وهذا هو القول الراجح والله أعلم.