>> فقه المرأة_المقال التاسع: تعريف النفاس وأحكامه
فقه المرأة
باب الطهارة – المقالة التاسعة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد:
فقد انتهينا – بفضل الله تعالى- من الأحكام المتعلقة بالحيض، ونشرع في هذه الحلقة – بإذن الله تعالى – في بيان الأحكام المتعلقة بالنفاس، ولما كان أكثر الأحكام المتعلقة بالنفاس هي نفس أحكام الحيض فسأقتصر على بيان الأحكام الخاصة بالنفاس سائلة المولى عز وجل أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه قريب مجيب الدعاء.
أولًا: تعريف النفاس:
لغة: النفاس بالكسر: ولادة المرأة، مأخوذ من النفس وهو الدم، ومنه قولهم لا نفس له سائلة أي لا دم له يجري- لسان العرب (6/238)، تاج العروس (16/567)، المصباح المنير (2/617).،
وفي الشرع:
عرفه الحنفية بأنه: الدم الخارج عقيب الولادة- المبسوط للسرخسي (3/210).
وعرفه المالكية بأنه: دم أو صفرة أو كدرة خرج من القبل للولادة، معها أو بعدها لا قبلها على الأرجح- الشرح الكبير (1/174).
وعرفه الشافعية بأنه: الدم الخارج بعد فراغ الرحم من الحمل، فخرج بما ذكر دم الطلق، والخارج مع الولد؛ لأن ذلك من آثار الولادة، ولا نفاس لتقدمه على خروج الولد بل ذلك دم فساد- مغني المحتاج (1/277).
وعرفه الحنابلة بأنه: دم ترخيه الرحم مع ولادة وقبلها بيومين أو ثلاثة مع أمارة وبعدها إلى تمام أربعين يوما- كشاف القناع (1/218).
ثانيًا: مدة النفاس:
ورد فى مدة النفاس حديث اُختلف فى تصحيحه وهو حديث مُسَّه عن أم سلمة قالت: «كانت النفساء على عهد رسول الله ﷺ كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَكُنَّا نَطْلِي عَلَى وُجُوهِنَا الْوَرْسَ يَعْنِي مِنَ الْكَلَفِ» أخرجه أبو داود (311)، وابن ماجه (648) والترمذي (139).
وقد ورد عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنه قال: «تنتظر النفساء أربعين يومًا أو نحوها»- سنن الدارمى (954).
اختلف العلماء فى أكثر مدة للنفاس فذهب فريق إلى أن أكثر مدة للنفاس أربعين يومًا مستدلين بحديث مُسَّه، وذهب آخرون إلى عدم تحديد أكثر مدة للنفاس فيرجع الأمر للعادة.
ذكر أقوال أهل العلم فى المسألة:
أولاً: من قال أكثر مدة للنفاس أربعين يومًا:
جاء فى نيل الأوطار [1/ 352]:
بعد أن ذكر حديث مُسَّه والخلاف فى تصحيحه قال: والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يومًا متعاضدة بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار، فالمصير إليها متعين، فالواجب على النفساء وقوف أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة.
جاء فى عون المعبود [1/ 346]:
قال الترمذى فى جامعه: وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبى ﷺ والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلى فإن رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء. وبه قال سفيان الثورى وابن المبارك والشافعى وأحمد وإسحاق.
وجاء فى المغنى [1/ 252] بحذف:
بعد أن أورد بعض أقوال أهل العلم، قال: ولنا ما روى أبو سهل كثير بن زياد عن مُسه، وذكر الحديث. ثم قال: فإن زاد دم النفساء على أربعين يومًا فصادف عادة الحيض فهو حيض وإن لم يصادف عادة فهو استحاضة.
قال المباركفورى فى تحفة الأحوذى [1/ 365]:
بعد أن ذكر أقوال العلماء والخلاف فى مدة النفاس قال: لم أجد على هذه الأقوال دليلًا من السنة فالقول الراجح المعول عليه هو ما قال به أكثر الفقهاء. والله أعلم.
ثانياً: من قال ليس للنفاس مدة معينة:
جاء فى المدونة الكبرى [1/ 153]:
قال ابن القاسم: كان مالك يقول فى النفساء: أقصى ما يمسكها الدم ستون يومًا ثم رجع عن ذلك آخر ما لقيناه، فقال: أرى أن يسأل عن ذلك النساء وأهل المعرفة فتجلس أبعد ذلك.
وقال مالك فى النفساء: متى ما رأت الطهر بعد الولادة وإن قرب فإنها تغتسل وتصلى فإن رأت بعد ذلك بيوم أو يومين أو ثلاثة أو نحو ذلك دمًا مما هو قريب من دم النفاس كان مضافًا إلى دم النفاس.
وفي الفتاوى الكبرى لابن تيمية [5/ 315]:
ولا حد لأقل النفاس ولا لأكثره ولو زاد على الأربعين أو الستين، أو السبعين، وانقطع فهو نفاس ولكن إن اتصل فهو دم فساد، وحينئذ فالأربعون منتهى الغالب،
جاء فى الشرح الممتع [1: 446]:
قال: والذى يترجح عندى: أن الدم إذا كان مستمرًا على وتيرة واحدة، فإنها تبقى إلى تمام ستين، ولا تتجاوزه.
تعقيب وترجيح
ما اتفق عليه جمهور فقهاء المذاهب الأربعة وابن حزم من أنه لا حدَّ لأقل مدة النفاس هو ما أرجحه؛ لأنه لم يأت دليل من الكتاب ولا السنة يحدّ أقل مدة للنفاس.
أما أكثر مدة النفاس فالذي أرجحه هو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام مالك في قول، أنه لا حدّ لأكثر مدة النفاس ما دام الدم الخارج من المرأة له صفة دم الحيض، والذي يقوي ذلك عندي أنه لم يرد دليل من الكتاب أو السنة يدل على أكثر مدة للنفاس، والله أعلم.
مسألة: هل كل وضع يثبت به النفاس ؟
لا يخلو هذا من أحوال:
الأول: أن تضع المرأة نطفة ( أربعون يومًا ) فهذا ليس بحيض ولا نفاس بالاتفاق .
الثاني: أن تضع ما تم له أربعة أشهر، ويخرج معه دم، فهذا نفاس قولا واحدًا، لأنه نفخت فيه الروح وتيقنا أنه بشر.
لحديث ابن مسعود، وفيه أنه قال: قال رسول الله e: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح..»- أخرجه البخاري (3208)، ومسلم (2643).
الثالث: أن تضع علقة، وقد اختلف الفقهاء في ذلك.
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه ليس بحيض ولا نفاس، ولو رأت الدم، وهذا يسمى عند العلماء السقط وعند العامة العوار.
وقال بعض أهل العلم: إنه نفاس؛ وعللوا أن الماء الذي هو النطفة انقلب من حاله إلى أصل الإنسان، وهو الدم فتيقنا أن هذا النازل إنسان.
الرابع: أن تضع مضغة غير مخلقة، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه ليس بنفاس، ولو رأت الدم؛ لأنه إذا سقط، ولم يخلق يحتمل أن يكون دمًا متجمدًا أو قطعة لحم ليس أصلها الإنسان، ومع الاحتمال لا يكون نفاسًا؛ لأن النفاس له أحكام، منها إسقاط الصلاة والصوم ومنع زوجها منها، فلا نرفع هذه الأشياء إلا بشيء متيقن، ولا نتيقن حتى نتبين فيه خلق الإنسان.
وقال بعض أهل العلم: إنه نفاس.
وعللوا أن الدم يجوز أن يفسد، ولا ينشأ منه إنسان، فإذا صار إلى مضغة لحم فقد تيقنا أنه إنسان فدمها دم نفاس.
الخامس: أن تضع مضغة مخلقة، فأكثر أهل العلم وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد أنها إذا وضعت مضغة مخلقة بأن بان رأسه ويداه ورجلاه أنه نفاس.
وأقل مدة يتبين فيها خلق الإنسان واحد وثمانون يومًا لحديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه «أَرْبَعُونَ يَومًا نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة مِثْلَ ذَلِكَ» تقدم تخريجه.
وإذا سقط لأقل من ثمانين يومًا، فلا نفاس والدم حكمه حكم سلس البول.
وإذا ولدت لواحد وثمانين يومًا، فيجب التثبت: هل هو مخلق أو غير مخلق؟ لأن الله قسم المضغة إلى مخلقة وغير مخلقة بقوله: â 7ptóôÒB 7ps)¯=sC Îöxîur 7ps)¯=sèC á [الحج: 5] فجائز ألا تخلق، والغالب: أنه إذا تم للحمل تسعون يومًا تبين فيه خلق الإنسان، وعلى هذا إذا وضعت لتسعين يومًا فهو نفاس على الغالب، وما بعد التسعين يتأكد أنه ولد، وأنه نفاس، وما قبل التسعين يحتاج إلى تثبت؛ لأنها لا تكون مضغة إلا بعد الثمانين، والمضغة قسمها الله إلى مخلقة وغير مخلقة.
أقوال أهل العلم في المسألة:
قال السرخسي في المبسوط (3/213):
فأما إذا أسقطت سقطًا، فإن كان قد استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك، وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها، ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضًا يجعل حيضًا، وإن لم يمكن بأن لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة.
وقال أيضًا في (6/26):
وكل سقط لم يستبن شيء من خلقه لا تنقضي به العدة لأنه ليس له حكم الولد بل هو كالدم المتجمد.
قال المواق المالكي في التاج والإكليل (5/486):
لا عدة لكل حامل غير الوضع، والسقط التام والمضغة من الولد في ذلك سواء.
قال الماوردي في الحاوي الكبير (1/437):
لا يخلو حال المرأة في ولادتها من أحد أمرين: إما أن تضع ما فيه خلق مصور أم لا، فإن لم يكن فيما وضعته خلق مصور لا جلي ولا خفي، كالعلقة والمضغة التي لا تصير بها أم ولد، ولا تجب فيها عدة لم يكن الدم الخارج معه نفاسًا، وكان دم استحاضة أو حيض على حسب حاله؛ لأنه لما لم يحكم لما وضعته حكم الولد فيما سوى النفاس، فكذلك في النفاس.
وقال أيضًا في (11/197):
وإن كانت مضغة فلها ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يظهر فيه بعض الأعضاء من عين، أو أصبع، أو تبين فيه أوائل التخطيط وأوائل الصورة فتتعلق فيه الأحكام.
قال ابن قدامة في المغني (1/253):
إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان، فهو نفاس. نص عليه وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة، فليس بنفاس.
قال المرداوي في الإنصاف (1/387):
يثبت حكم النفاس بوضع شيء فيه خلق الإنسان، على الصحيح من المذهب، ونص عليه…. وأقل ما يتبين به الولد: واحد وثمانون يومًا. فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها، لم يثبت لها بذلك حكم النفاس، نص عليه.
مجلة التوحيد- المقالة التاسعة من فقه المرأة
للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com