المقال التاسع والعشرون_فقه المرأة في الحج وهل يجوز سفر المرأة للحج بدون محرم؟

>> المقال التاسع والعشرون: فقه المرأة في الحج وهل يجوز سفر المرأة للحج بدون محرم؟

فقه المرأة

باب الحج – المقالة التاسعة والعشرون

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد:

     فقد انتهينا بفضل الله تعالى من فقه المرأة في الصيام ونبدأ في فقه المرأة في الحج سائلين الله عز وجل أن يتقبل جهد المقل وأن ينفع به المسلمين.

أولًا: تعريف الحج:

الحج في اللغة:

القصد، وعن الخليل، قال: الحج كثرة القصد إلى من تعظمه.

وفي الحج لغتان: الحَج والحِج، بفتح الحاء وكسرها- مختار الصحاح (1/52)، جمهرة اللغة (1/86).

الحج في الشرع: اسم لأفعال مخصوصة- المغني (3/154).

ثانيًا: فضل الحج و العمرة ويوم عرفة:

1- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r “مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”- أخرجه البخاري (1521) ومسلم (1350).

2- عن أبي هريرة t قال: “سئل النبي r: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قال: إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ. قيل: ثم ماذا؟ قال: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ. قيل: ثم ماذا؟ قال: حَجٌّ مَبْرُورٌ”- أخرجه البخاري (1519)، ومسلم (83).

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت:إن رسول الله  قال: “مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاء؟”- أخرجه مسلم (1348).

4- عن أبي هريرة : أن رسول الله r قال: “الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّة”- أخرجه البخاري (1773) ومسلم (1349).

ثالثًا: حكم الحج:

الحج واجب بالكتاب والسنة والإجماع:

أما من الكتاب: فقال تعالى:وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: 97].

وقال تعالى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ  [البقرة: 196].

وأما من السنة: عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله  “بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَان”- أخرجه البخاري (8) ومسلم (16).

أما الإجماع: أجمعت الأمة على وجوب الحج على المستطيع في العمر مرة واحدة

قال ابن المنذر في الإجماع (ص:51):

.وأجمعوا أن على المرء في عمره حجة واحدة: حجة الإسلام إلا أن ينذر نذرا، فيجب عليه الوفاء به.

رابعًا: وجوب الحج مرة واحدة في العمر:

1- عن أبي هريرة  قال: خطبنا رسول الله  فقال: “أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ”- أخرجه مسلم (1337).

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله  قام فقال: “إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ: كُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ فَقَالَ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ ثُمَّ إِذًا لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تُطِيعُونَ وَلَكِنَّهُ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ” -صحيح سنن النسائي (2620) وصحيح ابن ماجه (2886)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 436).

خامسًا: هل يجوز سفر المرأة بدون مَحْرَم للحج؟

1- عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله  “لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا رَجُلٌ ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا”- أخرجه البخاري (1088) ومسلم(1339).

عن أبي سعيد الخدري ، قال: قال رسول الله : “لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ سَفَرًا يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا إِلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا أَوْ ابْنُهَا أَوْ زَوْجُهَا أَوْ أَخُوهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا”-أخرجه مسلم (1340).

وفي رواية: “لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنْ الدَّهْرِ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا”- أخرجه مسلم (415-827).

 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي  يخطب يقول: “لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً، وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك”- أخرجه البخاري (1862) ومسلم (1341).

عن إبراهيم عن أبيه عن جده: “أَذِنَ عُمَرُ  لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ  فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْف”-أخرجه البخاري (1860).

تنبيه:

هذه روايات مسلم وفي رواية لأبي داود “وَلَا تُسَافِرُ بَرِيْدًا” والبريد مسيرة نصف يوم.

قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة أو البريد.

قال البيهقي: كأنه  سُئل عن المرأة تسافر ثلاثة بغير محرم؟ فقال: لا.. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم؟ فقال: لا .. وسئل عن سفرها يوماً؟ فقال: لا .. وكذلك البريد، فأدى كل منهم ما سمعه وما جاء منها مختلفاً عن رواية واحدة فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا وتارة هذا وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم سفر ولم يرد  تحديد أقل ما يسمى سفراً.

فالحاصل: أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محَرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك، لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم “لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ” وهذا يتناول جميع ما يسمى سفر. والله أعلم – مسلم بشرح النووي (5/116، 117).

بين الفقهاء نزاع في سفر المرأة للحج بدون مَحْرَم فذهب قوم إلى أنه لا يجوز سفر المرأة بدون محرم مطلقاً حتى لو كان السفر للحج واستدلوا بأحاديث الباب المتقدمة وفيها نهي المرأة عن السفر بدون محرم، ومن أظهر ما استدلوا به قول النبي  للرجل الذي أراد الجهاد- وهو من أعظم الطاعات- “انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ”، وهذا مذهب أحمد وأبي حنيفة، وبعض الشافعية وغيرهم.

وخالفهم في ذلك آخرون، قالوا: يجوز للمرأة أن تسافر للحج مع صحبة آمنة ومن أظهر ما استدلوا به على ذلك سفر زوجات النبي r للحج مع عثمان بن عفان  كما تقدم الحديث وأيضاً فسروا الاستطاعة بالزاد والراحلة، وهذا مذهب الشافعي ومالك وابن حزم .

وننقل أقول أهل العلم في سفر المرأة بدون مَحْرَم للحج:

أولا: القائلون بالجواز:

وفي الموطأ: (1/296):

قال مالك: في الصَّرورة من النساء التي لم تحج قط: أنها وإن لم يكن ذو لها محرم يخرج معها، أو كان لها، فلم يستطع أن يخرج معها: أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج. لتخرج في جماعة النساء.

الصرورة من النساء: التي لم تحج قط: تفسير للصرورة: لصرها النفقة وإمساكها.

قال الشافعي في الأم (2/164):

إذا كان فيما يروى عن النبي r ما يدل على أن السبيل: الزاد والرحلة وكانت المرأة تجدهما، وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة، فهي ممن عليه الحج عندي، والله أعلم.

– وذهب إلى هذا القول ابن حزم في المحلى (5/19) مسألة 813…

ثانياً: القائلون بالمنع:

قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (2/179)

بعد أن ذكر جملة من الآثار:  وفي ثبوت ما ذكرنا، دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام إلا مع محرم.

فإذا عدمت المحرم وكان بينها وبين مكة المسافة التي ذكرنا فهي غير واجدة للسبيل الذي يجب عليها الحج بوجوده.

وفي المبسوط (4/181):

قال السرخسي: وإذا أهلت المرأة بحجة الإسلام لم يكن لزوجها أن يمنعها إذا كان معها محرم، وإن لم يكن معها كان له أن يمنعها وهي بمنزلة الحرة المحصرة وقد بينا فيما تقدم أن من شرائط وجوب الحج عليها في حقها المحرم عندنا.

قال الخرقي في مختصره مع المغني (3/168):

وحكم المرأة إذا كان لها محرم كحكم الرجل.

ظاهر هذا: أن الحج لا يجب على المرأة التي لا محرم لها، لأنه جعلها بالمحرم كالرجل في وجوب الحج، فمن لا محرم لها لا تكون كالرجل فلا يجب عليها الحج. وقد نص عليه أحمد فقال أبو داود: قلت لأحمد: امرأة موسرة لم يكن لها محرم، هل يجب عليها الحج؟ قال: لا، وقال أيضا: المحرم من السبيل. وهذا قول الحسن والنخعي وإسحاق وابن المنذر وأصحاب الرأي.

جاء في سبل السلام (2/608) بحذف:

ذكر حديث ابن عباس المتقدم- كما ذكرنا- وفيه أن النبي r قال للرجل الذي كتب اسمه في الغزوة: “انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ” متفق عليه واللفظ لمسلم، دل الحديث على تحريم الخلوة بالأجنبية وهو إجماع …. ودل أيضاً على تحريم سفر المرأة من غير محرم وهو مطلق في قليل السفر وكثيره.

قال الشوكاني في النيل (4/346):

بعد أن ساق أحاديث الباب كما تقدم قال: وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان لها محرم.

قال ابن دقيق العيد:

هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا، فإن قوله تعالى:الآية، عام في الرجال والنساء، فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع. وقوله : “لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ” عام في كل سفر فيدخل فيه الحج، فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث، فيحتاج إلى الترجيح من خارج. انتهى

ويمكن أن يقال: إن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة الاستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن.

سئل شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (26/13):

هل يجوز أن تحج المرأة بلا مَحْرَم؟

فأجاب: إن كانت من القواعد اللاتي لم يحضن وقد يئست من النكاح ولا محرم لها، فإنه يجوز في أحد قولي العلماء أن تحج مع من تأمنه وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب مالك والشافعي ا هـ.

تعقيب وترجيح:

أعتقد أننا بعد التأمل في أدلة كل فريق؛ يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه الإمامان أحمد وأبو حنيفة وغيرهما من عدم جواز سفر المرأة دون محرم وإن كان للحج للأحاديث الصحيحة الصريحة التي جاءت بتحريم سفر المرأة دون محرم ومن أظهرها حديث ابن عباس المتقدم في الباب وفيه أن النبي r رد الرجل الذي أراد أن يجاهد معه وقال r له: “انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ”، ولو كان الحج للمرأة جائز دون محرم ما رده، وهو يريد أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله كما جاء في حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري ومسلم .

أما المرأة العجوز التي يأست من المحيض ولا ترغب في النكاح ، فيجوز لها أن تسافر لأداء فريضة الحج دون محرم مع صحبة آمنة،  كما ذهب إلى ذلك الأمام أحمد في  إحدى الروايتين عنه والإمام مالك والشافعي وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله،  والله تعالى وأعلم.

 

 

مجلة التوحيد- المقالة التاسعة والعشرون  من فقه المرأة                  

للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

Pin It on Pinterest

Share This