مَا الفَرْقُ بَيْنَ اسْمِ ( الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيْمِ )؟
⭕الفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ للعُلَمَاءِ :
✅القَوْلُ الأَوَّلِ: هو أنَّ ( الرَّحْمَنَ ) ذُو الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ لجمِيْعِ الخَلائِقِ في الدُّنْيَا، يَرْحَمُ كُلَّ العِبَادِ في الدُّنْيَا؛ فالكافِرُ يَعْيشُ بِرَحمَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يأكُلُ ويَشْرَبُ ويتَحَرَّكُ ويَتَكَلَّمُ؛ ألَيْسَت هَذِهِ رحمةً؟ وأيضًا؛
◀فالكافرُ يَنَامُ، وكانَ مِنَ الممكنِ أنَّ يُذْهِبَ من عَيْنَيْهِ النَّوْمَ، وكذلك؛ رزقهُ اللهُ المالَ والأولادَ والصِّحةَ وغيْرَ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ.
⏪فـــــ : ( الرَّحْمَنُ ) ذُو الرَّحْمَةِ الشَّاملَةِ لجميعِ الخلائقِ في الدُّنْيَا، وللمُؤْمِنِيْنَ في الآخِرَةِ، أي: في الدُّنْيَا يَرْحَمُ النَّاس جميعًا، ولكِنْ في الآخرَةِ تَكُون
ُ ( الرَّحْمَةُ ) للمُؤْمِنِيْنَ.
وأمَّا ( الرَّحِيْمُ )؛ فَهُوَ ذُو رحمة بالمُؤْمِنين يَوْمَ القِيَامَةِ، ومِنْ أدِلَّتِهِم عَلَى ذَلِكَ؛ قولُهُ تَعَالَى : ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان:59]،
♦وأيْضًا؛ قولُهُ تَعَالَى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه:5]
فَهُوَ ذُو الرَّحْمَةِ الوَاسِعَةِ التي تَشْمَلُ جَمِيْعَ الخَلائِقِ، وذُكِرَ الاستواءُ باسْمِ ( الرَّحْمَنِ )؛ ليَعُمَّ جميعَ الخلائقِ بِرَحْمتِهِ؛ فقولهُ: (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ )؛⏪ أي: أن جميعَ الخلْقِ مُتَعَلِّقِيْنَ بِصَاحِبِ العَرْشِ: الرَّحمَنِ الرَّحِيْمِ؛ فذَكَرَ العَرْشَ؛ ليُبَيِّنَ أنَّ الرَّحمَةَ تعُمُّ كُلَّ الخلْقِ في الدُّنْيَا؛ فَهُو رحمنٌ لكُلِّ الخِلْقِ في الدُّنيا، وفي الآخِرَة للمُؤْمِنين فَقَط، وأَمَّا ( الرَّحِيْمِ )؛ فهُوَ (الرَّحَيْمُ ) بالمؤمنين يَوْم القِيَامَةِ.
◾ومِنْ أَدِلَّتِهِمْ: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب:43]
فَقَالُوا : ( الرَّحِيْمُ ) – هُنَا – مُتَعَلِّقَةٌ بِالمؤْمِنِيْنَ، ولا تكُونُ للكَافِرِيْنَ ؛ فــ : ( الرَّحْمَنُ ) للمُؤْمِنِ والكَافِرِ في الدُّنْيَا، و( الرَّحِيْمُ ) لا تكونُ للكَافِرِ؛ فلا نَقُولُ بالكُفَّار رَحِيْمٌ؛ لكِنْ بالمؤمِنْيِنَ.
♋ولكِنْ اعْتَرَضَ بَعْضُ العُلُمَاءِ عَلَى هَذَا القَوْلِ،وقَالُوا: يُشْكِلُ هَذَا القَوْلُ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى يقُولُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾
[البقرة:143]
والناسُ – هُنَا – اسْمُ جنْسٍ يَشْمَلُ النَّاسَ جميعًا؛ فقولُهُم: ( رَحِيْمٌ ) بالمؤمنين فقَطْ، يُرَدُّ عَلَيْهِ بهذهِ الآيةِ.
✅القَوْلُ الثَّانِي: هو أنَّ: ( الرَّحْمَنَ ) دالٌّ عَلَى الصِّفَةِ الذاتيةِ القائمةِ بِهِ سبحانَهُ، و( الرَّحِيْمِ ): دالٌّ عَلَى تَعَلُّقِهِ بالمرْحُومِ، وهِي أيْضًا صِفَةٌ؛ لكنَّهَا صِفَةُ فِعْلٍ.
فالأوَّلُ ( الرَّحْمَنُ ) للصِّفَةِ، والثَّاني ( الرَّحِيْمُ ) للفعْلِ؛ أي : يرحمُك ويُعَلِّمُك، ويَرْحَمُك ويَشْفِيْك، ويَرْحَمُك – وأنْتَ في المعَاصِي – ويرَزُقَكَ التَّوبَةَ؛ فالرَّحَيْمُ متعلِّقٌ بالفِعْلِ.
ومن أدلَّتِهم: قولُهُ : ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب:43]
وقولُهُ: ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة:117]،
وقولهُ: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة:128]
وقولهُ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [البقرة:143]
⭕ولم يُقَلْ قَطُّ في القُرْآنِ أنَّهُ: رحْمَنٌ بِهِم ؛ فإِذَا ذُكِرتِ الرَّحْمَةُ التي عَلَى وجْهِ الفِعْلِ والتَّعلُّق بالمخْلُوق لا يُقَالُ فِيْهَا: رَحْمَنٌ، ولكِنْ رَحِيْمٌ بِهِمْ، فَدَائِمًا ( الرَّحِيْمُ ) تَأْتِي عَلَى الفِعْلِ؛ فتَعَلُّقَهَا بالمخْلُوقِ هُوَ: فِعْلُ اللهِ فِيْهِمْ أَنَّهُ رَحِمَهُمْ؛ لَكِنْ ( الرَّحْمَنُ ) لا تَأْتِي عَلَى صورة فِعْلٍ، ولَكِنْ دَائِمًا تَأْتِي عَلَى صورة وَصْفٍ، كقولهِ: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:5]،
وقولهِ: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان:59]
أو ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ ).
فالخلاصةُ – هُنَا – أنَّهُم قَالُوا: ( الرَّحْمَنُ ) مُتَعَلَّقٌ بالوصْفِ، و( الرَّحِيْمُ ) مُتَعَلِّقٌ بالفِعْلِ
♦وهذا القول قد رجحه ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد (1/24).