عالم الملائكة

مبحث عن عالم الملائكة

  •  مقدمة.
  • المطلب الأول: التعريف بالملائكة وصفاتهم وأعدادهم وقدراتهم.
  • المطلب الثاني: صفات الملائكة الخلقية.
  • المطلب الثالث: أعداد الملائكة.
  •  المطلب الرابع: أسماء وأعمال الملائكة التي ورد فيها نص من الكتاب أو السنة.
  • المطلب الخامس: ذكر أسماء بعض الملائكة التي لم يصرح بذكر أسمائهم في القرآن أو السنة.

مقدمة

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا مبحث شيق عن عالم من عوالم الغيب أمرنا الله تبارك وتعالى كذا أمرنا نبيه صلى الله عليه وسلم بالإيمان به، بل وجُعل الإيمان به هو الركن الثاني من أركان الإيمان الستة كما جاء في حديث جبريل عليه السلام كما لا يخفى عليكم..

نتعرف في هذا المبحث على: أسماء كثير من  الملائكة وصفاتهم وأعمالهم وأعدادهم, كذا نتعرف فيه على آثار رحمة الله عز وجل ووده لعباده المؤمنين من بني آدم وكيف سخر لهم عبادا مكرمين يحفظونهم ويدافعون عنهم.

بل وكيف جعل أعظم الملائكة وأكرمهم وهم حملة العرش يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم، فسبحان ربي، ما أكرمه وأرحمه وألطفه! قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر 7 – 9].

هذا ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم ويثبتنا وإياكم على مراضيه، والحمد لله رب العالمين.

المطلب الأول: التعريف بالملائكة وصفاتهم وأعدادهم وقدراتهم:

معنى الملَك في اللغة: الميم واللام والكاف: أصل صحيح يدل على قوة في الشيء وصحة([1]).

قال الليث رحمه الله: الملَكُ واحد الملائكة، إنما هو تخفيف المَلأَك واجتمعوا على حذف همْزِهِ، وهو مفعلٌ من الألُوك.

قال الكسائي رحمه الله: أصله مَألَكٌ بتقديم الهمزة من الألُوك: وهي الرسالة. قال ابن منظور: ثم تركت همزته لكثرة الاستعمال فقيل: ملكٌ، فلما جمعوه ردوها إليه فقالوا: ملائكة([2]).

وفي الشرع: هم عباد الله المكرمون، طاعتهم لله مطلقة، لا يعصون الله ما أمرهم، ولا يستكبرون عن عبادته، ولا يملون ولا يفترون، خلقهم الله من نور، فهم ليسوا إناثًا ولا بنات الله- تعالى الله عما يقول الكافرون علوًّا كبيرًا- وليس لهم من خصائص الربوبية ولا الألوهية شيء، بل هم عباد من عباد الله عز وجل.

قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)﴾ [الأنبياء].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء: 172].

وقال جل في علاه: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)﴾ [الأنبياء].

وقال جل ذكره: ﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) ﴾ [الزخرف].

ما ذكرناه هو الإيمان بالملائكة على وجه الإجمال وهو الواجب على كل مسلم، ونذكر ههنا مزيدًا من التفصيل لعالم الملائكة ليزداد العبد المؤمن إيمانًا.

 —————————————————

([1]) مقاييس اللغة (5/352) مادة (ملك).

([2]) لسان العرب (8/365).

المطلب الثاني: صفات الملائكة الخلقية:

الملائكة خلق عظيم، خلقهم الله تعالى من نور، وخلق لهم أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ومنهم من له ستمائة جناح، فنؤمن أن لهم أجسامًا ولا نعلم كيفيتها، فلم يرد نص بذلك.

قال الله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)﴾ [فاطر].

وفي حديث ابْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه «أن النبي ﷺ رَأَى جِبْرِيلَ، ولَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ»([1]).

وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها أن رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ»([2]).

لم يعط الله تعالى القدرة لبشر على رؤية الملائكة على حقيقتها إلا رسول الله ﷺ، فقد أعطاه الله تعالى القدرة على رؤية الملائكة في صورتها الحقيقية الملائكية، فقد رأى جبريل عليه السلام في صورته الملائكية مرتين.

قال جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)﴾ [التكوير].

يعني: ولقد رأى محمد جبريل الذي يأتيه بالرسالة عن الله عز وجل على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح([3]).

والمرة الثانية: في رحلة الإسراء والمعراج، عندما عرج به إلى السموات، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)﴾ [النجم].

وعن مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي، وَلَا تُعْجِلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)﴾ [التكوير]، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)﴾ [النجم]؟ فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»([4]).

ومن صفاتهم أنه يتمثلون في صورة بشر ولا يأكلون ولا يشربون:

قد أعطاهم الله تبارك وتعالى هذه القدرة، وهذا ثابت في الكتاب وصحيح السنة.

قال الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)﴾ [مريم].

قال الشنقيطي رحمه الله:

والمراد بقوله: «رُوحنا» جبريل، ويدل لذلك قوله: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)﴾ [الشعراء].

وقوله تعالى: ﴿ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ﴾ تمثلّه لها بشرًا سويًّا المذكور في الآية يدل على أنه ملك وليس بآدمي، وهذا المدلول صرّح به تعالى في قوله: ﴿ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [آل عمران: 45]([5]). انتهى.

وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) ﴾ [هود].

قال الطبري رحمه الله:

يقول تعالى ذكره: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا ﴾ من الملائكة، قال السّدي: بعث الله الملائكة لتهلك قوم لوط، أقبلت تمشي في صورة رجال شباب حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه([6]).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) ﴾ [هود].

قال ابن جرير رحمه الله:

يقول تعالى ذكره: ولما جاءت ملائكتنا لوطًا ساءه مجيئهم وهو «فعل» من السوء، وضاق بهم بمجيئهم ذرعًا، يقول: وضاقت نفسه غمًّا بمجيئهم، وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسل الله في حال ما ساءه مجيئهم، وعلم من قومه ما هم عليه من إيتائهم الفاحشة وخاف عليهم([7]).

وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عُمَر بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قال: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ»([8]).

وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «… رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دَحْيَةُ». وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ: «دَحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ»([9]).

وقصة الثلاثة من بني إسرائيل- أبرص وأقرع وأعمى-أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكًا في صورة رجل([10]).

وقال جل ذكره عن المشركين: ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ﴾ [الفرقان: 7].

قال ابن تيمية رحمه الله:

فكأنهم أرادوا منه صفة الملائكة أن يكون متلبسًا بها، فإن الملائكة صُمّد لا يأكلون ولا يشربون، والبشر لهم أجواف يأكلون ويشربون([11]).

من صفاتهم الخَلقية: أن لهم أجسامًا عظيمة ولهم قوة:

قال سبحانه وتعالى في وصف جبريل عليه السلام: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)﴾ [التكوير].

قال القرطبي رحمه الله:

والرسول الكريم جبريل، قاله الحسن وقتادة والضحاك، والمعنى ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)﴾ عن الله ﴿ كَرِيمٍٍ ﴾ على الله، وأضاف الكلام إلى جبريل عليه السلام، ثم عداه عنه بقوله: ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)﴾ ليعلم أهل التحقيق في التصديق أن الكلام لله عز وجل، فروي عن ابن عباس قال: من قوته قلعه مدائن قوم لوط بقوادم جناحه([12]).

وقد تقدم حديث ابْنُ مَسْعُودٍ، وفيه: «أنه ﷺ رَأَى جِبْرِيلَ ولَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ»([13]).

وعن جَابِرِ رضي الله عنه أنّ رسُولَ الله ﷺ قال: «أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ»([14]).

 —————————————————

([1]) أخرجه البخاري (3232)، ومسلم (174).

([2]) أخرجه مسلم (2996).

([3]) تفسير ابن كثير (4/603).

([4]) أخرجه مسلم (287/177).

([5]) أضواء البيان (3/387).

([6]) جامع البيان (8/89-94) باختصار.

([7]) المصدر السابق.

([8]) أخرجه البخاري (4777)، ومسلم (1/8) واللفظ لمسلم.

([9]) أخرجه مسلم (167).

([10]) انظر: صحيح  البخاري (3464)، ومسلم (2964).

([11]) مجموع الفتاوى (4/384).

([12]) الجامع لأحكام القرآن (7/229).

([13]) متفق عليه: تقدم تخريجه قريبًا.

([14]) أخرجه أبو داود (4727)، وقال الهيثي في المجمع (1 /80): رواه أبو داود (4727) ورواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (151)، وصحيح الجامع (854).

المطلب الثالث: أعداد الملائكة:

لا يعلم عدد الملائكة إلا الله جل في علاه، قال عز وجل: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: 31].

فأعداد الملائكة كثيرة جدًّا، وقد دل على ذلك ما جاء في السنة أيضًا، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الذي أخبر فيه رسول الله ﷺ عن رحلة الإسراء والمعراج مع جبريل عليه السلام ،وفيه: «… ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ، فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ ﷺ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ»([1]).

وعن عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ رسُولُ الله ﷺ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا»([2]).

————————————————-

([1]) جزء من حديث أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (259/162).

([2]) أخرجه مسلم (2842).

المطلب الرابع: أسماء وأعمال الملائكة التي ورد فيها نص من الكتاب أو السنة:

تقدم أن أعداد الملائكة كثيرة جدًّا ولا يعلمها إلا الله تعالى، وأما أسماء الملائكة فلا نعلم منها إلا ما جاء به نص وهم قليلون، وأما أعمالهم فقد دلت نصوص الكتاب والسنة أن كل صنف من أصناف الملائكة موكل بعمل، فمنهم من وكّل بالوحي، ومنهم من وكّل بالسحاب والمطر، ومنهم من وكّل بالجبال، ومنهم من وكّل بحفظ الإنسان، ومنهم من وكّل بقبض الأرواح إلى غير ذلك، فالملائكة أعظم وأقوى وأشد جنود الله تعالى، ونذكر ههنا أسماء الملائكة التي جاء فيها نص، وكذا بعض أصناف الملائكة والأعمال التي وكّلوا بها.

جبريل عليه السلام:

أشرف الملائكة، وهو الذي وكّله الله تعالى بالوحي.

الوحي لغة: الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي، وكّل ما ألقيته إلى غيرك، يقال: وحَيْتُ إليه الكلام وأَوحَيْتُ ووحى وحيًا.. وأوحى إليه: ألهَمه، وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ وفيه ﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) ﴾ أي: إليها، فمعنى هذا أمرها([1]).

وشرعًا: الإعلام بالشرع، وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه أي: الموحى، وهو كلام الله المنزل على النبي ﷺ([2]).

قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)﴾ [النساء].

وقال جل ذكره: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)﴾ [البقرة].

وقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)﴾ [الشعراء].

قال ابن كثير رحمه الله:

 ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ وهو جبريل عليه السلام، قاله غير واحد من السلف، وهذا ما لا نزاع فيه: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ ﴾ أي القرآن الذي أنزلناه إليك أنزلناه باللسان العربي الفصيح الكامل الشامل([3]).

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ ﭬ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ المَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ»([4]).

ميكائيل عليه السلام:

من أشرف الملائكة وقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز مع الملائكة وجبريل في قوله: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) ﴾ [البقرة] وميكائيل هو الموكل بالمطر والنبات.

قال ابن كثير رحمه الله:

عطفهما على الملائكة لشرفهما، فجبريل ملك عظيم وقد تقدم ذكره، وأما ميكائيل فموكّل بالمطر والنبات، وهو ذو مكانة عند ربه عز وجل، ومن أشرف الملائكة المقربين([5]). انتهى.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، فَإِنْ أَنْبَأْتَنَا بِهِنَّ، عَرَفْنَا أَنَّكَ نَبِيٌّ وَاتَّبَعْنَاكَ. فسألوا عن أشياء إلى أن قَالُوا: صَدَقْتَ، إِنَّمَا بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الَّتِي نُبَايِعُكَ إِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبكَ؟ قَالَ: «جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ»، قَالُوا: جِبْرِيلُ ذَاكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ عَدُوُّنَا، لَوْ قُلْتَ: مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ، لَكَانَ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ ﴾ [البقرة: 97] إِلَى آخِرِ الْآيَةَ([6]).

إسرافيل عليه السلام:

الموكّل بالنفخ في الصور، وليس بمصرَّح باسمه في القرآن، وقد جاء اسمه في بعض الأحاديث، والصور: قرن ينفخ فيه فيصعق جميع الخلق إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه مرة أخرى فيقوم الناس للحساب، على الخلاف بين أهل العلم هل هما نفختان أو ثلاثة؟ وسيأتي بيان ذلك([7]).

قال الله تعالى: ﴿ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73) ﴾ [الأنعام].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) ﴾ [الزمر].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) [النمل].

وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه قال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: مَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ»([8]).

وعن أَبِي سَعِيدٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ» فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُمْ: « قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا».

وفي رواية: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الصُّورَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ»([9]).

وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: «كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ – تعني رسول الله ﷺ- افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»([10]).

وقال رسُولُ الله ﷺ لعليٍّ ولأبي بكر يوم بدر: «مَعَ أَحَدِكُمَا جِبْرِيلُ، وَمَعَ الْآخَرِ مِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشْهَدُ الْقِتَالَ» أو قَالَ: «يَشْهَدُ الصَّفَّ»([11]).

قال القرطبي رحمه الله:

الأمم مجمعون على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام([12]).

خزنة النار: مالك والزبانية:

الموكلون بالنار وهم الزبانية، ومقدموهم تسعة عشر، وخازنها مالك، وهو مقدم على جميع الخزنة، وهم المذكورون في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49) ﴾ [غافر].

وقال تعالى: ﴿ وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)﴾ [الزخرف].

وقال تعالى: ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) ﴾ [التحريم].

وقال تعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)﴾ [المدثر] ([13]).

وقال جل ذكره: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)﴾ [العلق].

قال السعدي رحمه الله:

 أي خزنة جهنم لأخذه وعقوبته([14]).

وعن شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا»([15]).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: – في حديث طويل وفيه –: «… فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ، فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ» ([16]).

وعن سَمُرَة بْنُ جُنْدُبٍ ﭬ في رؤية رآها النبي ﷺ وفيها قال: «… فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ، كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا» قَالَ: « قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟… قَالَا: فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ النَّار» ([17]).

هاروت وماروت:

قال جل وعلا: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) ﴾ [البقرة].

من الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن هاروت وماروت في قول جماعة كثيرة من السلف، وقد ورد في قصتهما وما كان من أمرهما آثار كثيرة غالبها إسرائيليات([18]).

قال ابن العربي رحمه الله في تفسير الآية:

 وما كفر سليمان قط ولا سحر، ولكن الشياطين كفروا بسحرهم، وأنهم يُعلِّمونه الناس… ويعلمون الناس ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما كان الملكان يعلمان أحدًا حتى يقولا: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا ﴾ الآية.

فإن قيل: كيف أنزل الله تعالى الباطل والكفر؟

قلنا: كل خير أو شر أو طاعة أو معصية أو إيمان أو كفر مُنزَّل من عند الله تعالى، قال النبي ﷺ في الصحيح: «سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ – يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ – رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ»([19]).

فأخبر عليه السلام عن نزول الفتن على الخلق([20]).

قال ابن جرير بعد أن ذكر خلاف أهل العلم في تفسير الآية:

فإذا فسدت هذه الوجوه التي دللنا على فسادها، تبين أن معنى «ما» التي في قوله: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ﴾ بمعنى «الذي» وأن هاروت وماروت مترجم بهما عن الملكين، ولذلك فتحت أواخر أسمائهما؛ لأنهما في موضع خفض على الردّ على الملكين ولكنهما لما كانا لا يجرّان فتحت أواخر أسمائهما.

فإن التبس على ذي غباء ما قلنا، فقال: وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلم الناس التفريق بين المرء وزوجه؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله تبارك وتعالى إنزال ذلك على الملائكة؟ قيل له: إن الله جل ثناؤه عرّف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه، ثم أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون وينهون عنه، ولو كان الأمر على غير ذلك لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم، فالسحر مما قد نهى عباده من بني آدم عنه، فغير منكر أن يكون جل ثناؤه علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما: ﴿ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ﴾ ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه وعن السحر فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما، ويكون الملكان في تعليمهما من علّما ذلك لله مطيعين([21]).

قال السعدي: وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق، أنزل عليهما السحر امتحانًا وابتلاءً من الله لعباده فيعلمانهم السحر([22]).

منكر ونكير:

هما ملكان أسودان أزرقان موكلان بسؤال العبد إذا وضع في قبره، جاء ذلك عن نبينا ﷺ، وسيأتي بيان سؤال القبر في بابه إن شاء الله.

عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا قُبِرَ المَيِّتُ – أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ – أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلأَرْضِ: التَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ»([23]).

 ————————————————–

([1]) اللسان (9/243) مادة (وحي).

([2]) الفتح (1/14، 15).

([3]) تفسير ابن كثير (3/372-373).

([4]) أخرجه البخاري (2)، ومسلم (87/2333).

([5]) البداية والنهاية (1/59).

([6]) أخرجه أحمد في المسند (1/274)، والترمذي (3117)، والنسائي في «الكبرى» (9072 ) وصححه الألباني في «الصحيحة» (1872 ).

([7]) باب الإيمان باليوم الآخر إن شاء الله.

 ([8])أخرجه أحمد (2/162، 192)، وأبو داود (4742)، والترمذي (2430)، والدارمي (2801)، وابن حبان (7312)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (1080) و«صحيح الجامع» (3863 ).

([9]) أخرجه أحمد في المسند (3/7)، والترمذي (2431/3243)، والحميدي (754)، وابن حبان (823)، وأبو يعلي (1084)، والحاكم (4/603)، وصححه الألباني في الصحيحة (1079).

([10]) أخرجه مسلم (770).

([11]) أخرجه أحمد في «المسند» (1/147)، وابن أبي شيبة في «المصنف»(6/351)، (7/353)، وابن أبي عاصم في «السنة» (1217)، وأبو يعلي (340)، والبزار (729)، والحاكم (3/72،44)، وصححه ووافقه الذهبي، والألباني في «الصحيحة» (3241).

([12]) الجامع لأحكام القرآن (7/24).

([13]) انظر: البداية والنهاية (1/63، 64).

([14]) تيسير الكريم الرحمن (ص: 930).

([15]) أخرجه مسلم (2842).

([16]) أخرجه مسلم (172).

([17]) أخرجه البخاري (7047).

([18]) البداية والنهاية (1/61، 62).

([19]) أخرجه البخاري (7069).

([20]) أحكام القرآن (1/59، 60).

([21]) تفسير الطبري (1/637، 638).

([22]) تيسير الكريم الرحمن (ص: 61).

([23]) أخرجه الترمذي (1071)، وابن حبان في الموارد (870)، وابن أبي عاصم في السنة (864)، واللالكائي في أصول الاعتقاد (2139)، والآجري في الشريعة (913)، وقال الألباني: «إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات؛ رجال مسلم، وفيه ابن إسحاق؛ وهو العامري القرشي مولاهم كلام لا يضر» السلسلة الصحيحة (1391).

 

المطلب الخامس: ذكر أسماء بعض الملائكة التي لم يصرح بذكر أسمائهم في القرآن أو السنة:

اعلم أن بعض الملائكة لهم أعمال معلومة ولهم أسماء معلومة، وبعضهم لهم أعمال معلومة ولا نعلم أسماءهم، والبعض لا نعلم أعمالهم ولا أسماءهم، ونؤمن بذلك ونعلم أن ذلك مقتضى حكمة الله تعالى ومشيئته، ونذكر ههنا بعض أعمال الملائكة التي لم يأت ذكر أسمائهم في القرآن أو السنة:

ملك الموت وأعوانه:

هو الملك الموكّل بقبض أرواح بني آدم ومعه أعوان، وهذا ثابت بأدلة الكتاب والسنة، وليس بمصرح باسمه، وأما ما انتشر عند العامة أن الذي يقبض الأرواح اسمه «عزرائيل» فهذا ليس عليه دليل صحيح من الكتاب أو السنة.

قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) ﴾ [السجدة].

وقال: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ﴾ [الأنعام].

وقال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)﴾ [الأنعام].

وقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)﴾ [الأنفال].

وعن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قال: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ. قَالَ: فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا: عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ- إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى. قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ. قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي». قَالَ: «وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ. قَالَ: فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ…» الحديث([1]).

وفي حديث قاتل التسعة والتسعين نفسًا وفيه: «.. فَاخْتَصَمت فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَة ومَلَائِكَةُ العَذَاب»([2]).

الملك الموكل بنفخ الروح في الجنين وهو في بطن أمه:

عن عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُود ؓ قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ»([3]).

الملائكة المعقبات:

قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11].

قال ابن كثير رحمه الله:

أي ملائكة يتعاقبون عليه؛ حرس بالليل وحرس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير وشر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار؛ فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه وآخر من قُدَّامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلًا، حافظان وكاتبان… وساق حديث «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ» كما تقدم.

وروي عن بعض أهل العلم: ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه.

عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْر»([4]).

وقوله: ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ قيل: المراد حفظهم له من أمر الله، وهذا رأي الأكثرين، وقال بعضهم: ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ بأمر الله([5]).

الملائكة حملة العرش:

وهم ثمانية ولا يعلم عظم خلقهم إلا الله تبارك وتعالى، ومع هذا هم يستغفرون للمؤمنين والتائبين ويدعون لهم، فانظروا إلى فضل وكرم ورحمة الله بعباده الموحدين.

قال جل ذكره: ﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) ﴾ [الحاقة].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) ﴾ [غافر].

ملائكة تلتمس حلق الذكر:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؓ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ» قَالَ: «فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» قَالَ: «فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟» قَالُوا: «يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ» قَالَ: «فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟» قَالَ: «فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا» قَالَ: «يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟» قَالَ: «يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً» قَالَ: «فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً» قَالَ: «فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» قَالَ: «يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ». قَالَ: «هُمُ الجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»([6]).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»([7]).

ملائكة تصلي على المؤمنين:

قال جل ذكره: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43) ﴾ [الأحزاب]

وعن الْبَرَاء بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ ﷺ قال: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُولَى»([8]).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَأَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ» ([9]).

وعن عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبي ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ، إِلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ»([10]).

وقد سبق بيان أن الصلاة من الله تعالى على العبد هي: الثناء عليه في الملأ الأعلى، وصلاة الملائكة على العبد: الدعاء له ([11]).

وإذا عمدت إلى الكتاب والسنة لجمع أعمال الملائكة التي أُخبرنا بها لطال المرام، وقد قال تعالى: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)﴾ [الشورى].

وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أن النبيَّ ﷺ قال: «أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ» قال أبو ذر: «لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ»([12]).

وفي حديث المعراج: قال رسُولُ الله ﷺ: «فَرُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ»([13]).

 ————————————————————-

([1]) أخرجه أحمد في المسند (4/287، 288،295،296)، وأبو داود (4753)، والنسائي (2058)، والترمذي (1071)، والحاكم (1/37-40)، وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في «صحيح الجامع» (1676)، و«أحكام الجنائز» (198-202).

([2]) أخرجه البخاري (3470) , ومسلم (2766) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

([3]) أخرجه البخاري (3208)، ومسلم (2643).

([4]) أخرجه مسلم (2814).

([5]) تفسير ابن كثير (2/493).

([6]) أخرجه البخاري (6408)، ومسلم (2689)، واللفظ للبخاري.

([7]) أخرجه مسلم (2699).

([8]) أخرجه أبو داود (664)، وأحمد (4/296)، والدارمي (1264), والنسائي (810)،  وابن ماجه (997)، وابن خزيمة (1556)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وانظر: «صحيح الجامع » (1 /376 ).

([9]) أخرجه البخاري (659) ومسلم (649/273).

([10]) أخرجه أحمد  في «مسنده» (3/445،446)، وابن ماجه (907)، وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (5744)، وصحيح ابن ماجه.

([11]) راجع شرح البيت الرابع.

([12]) أخرجه ابن ماجه (3378)، والترمذي (2312)، وأحمد (5/173)، وابن ماجه (4190)، والحاكم (2/510)، والبيهقي في «الشعب» (783، 784)، وحسنه الألباني في الصحيحة (1059، 1060) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

([13]) جزء من حديث أخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164) من حديث مالك بن صعصعة رضي الله عنه.

 

 

 

تم بحمد الله تعالى

@ كتبته

أم تميم / د: عزة بنت محمد رشاد

Pin It on Pinterest

Share This