>> المقال الثاني والعشرون: الزكاة وتعريفها وحكم زكاة الحُلي
فقه المرأة
باب الزكاة – المقالة الثانية والعشرون
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
انتهينا بفضل الله تعالى من الأحكام المتعلقة بالمرأة في باب الجنائز ونشرع –بإذن الله تعالى- في باب الزكاة، فأسأل الله عز وجل أن يتقبل جهد المقل و أن ينفع به المسلمين.
أولًا: تعريفها:
الزكاة في اللغة: النماء والطهارة والبركة، يقال زكا يزكو زكاء وزكوًا، ويقال زكَّى يزكِّي تزكيةً، ومنه قوله تعالى:) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ( (سورة التوبة: 103)، وتطلق الزكاة على الصلاح، يقال رجل تقيٌّ زكيٌّ، ورجال أتقياء أزكياء، وتطلق أيضًا على المدح، قال تعالى: ) فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ((النجم: 32) أي لا تمدحوها- لسان العرب ج14 ص358؛ المعجم الوسيط ج1 ص396؛ تهذيب اللغة ج10 ص175.
الزكاة شرعًا:
عرفها الحنفية بأنها: تمليك جزء مال عيَّنه الشارع، من مسلم، فقير، غير هاشمي، ولا مولاه، بشرط قطع المنفعة عن الملك من كل وجه، لله تعالى- الدر المختار ج2 ص287؛ البحر الرائق ج2 ص216؛ تبيين الحقائق ج1 ص252.
وعرفها المالكية بأنها:
اسم لقدر من المال، يخرجه المسلم، في وقت مخصوص، لطائفة، بالنية- مواهب الجليل ج2 ص255.
وعرفها الشافعية بأنها:
اسم لقدر مخصوص، من مال مخصوص، يجب صرفه لأصناف مخصوصة- السراج الوهاج ج1 ص116.
وعرفها الحنابلة:
بأنها حق يجب في المال.المغني ج2 ص228.
ثانيًا: حكمها:
الزكاة أحد أركان الإسلام الخمس وفرض من فروضه، وهي واجبة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله وإجماع أمته.
وقد ذكرت الزكاة في آيات كثيرة مقرونة بالصلاة.
قال تعالى:وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة: 43].
وقال تعالى: والّذِين فِي أمْوالِهِمْ حقٌّ معْلُومٌ (24) لِلسّائِلِ والْمحْرُومِ (25) [المعارج: 24، 25].
قال تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ [المزمل: 20].
– عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله لما بعث معاذًا على اليمن، قال: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاةً من أموالهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس»– أخرجه البخاري (1458)، ومسلم (19).
-عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان»– أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16).
-أما الإجماع:
فلأن الأمة أجمعت على فرضيتها. الإجماع لابن المنذر (ص:47).
ثالثًا: زكاة حلي المرأة:
1- قال تعالى:وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34-35].
2- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فتكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»- أخرجه مسلم (987).
3- عن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها «أتعطين زكاة هذا قالت لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار». قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي وقالت هما لله عز وجل ولرسوله.صحيح أبي داود (1563)، وأحمد (6901)، والمصنف لعبد الرزاق (7095)، والمصنف لابن أبي شيبة (10159) والبيهقي (6/46).
4- عن عائشة قالت: «دخل على رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة، فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال: أتؤدين زكاتهن؟، قلت: لا أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار»– أخرجه البيهقي في السنن الكبري (7640)، وصحيح أبي داود (1565) والدارقطني (1934).
بعض الآثار الواردة عن التابعين في إيجاب زكاة الحلي:
1- عن عبد الحميد بن جبير أنه سأل ابن المسيب أفي الحلي: الذهب والفضة زكاة؟ قال: نعم، قال: قلت: إذن يفنى، قال: ولو». أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7090).
2- عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال «الزكاة في الحلي في كل عام»– أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7084).
3- عن سعيد بن جبير قال: «في الحلي الذهب والفضة: يزكي، وليس في الخرز زكاة إلا أن يكون لتجارة»– أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7093).
بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في عدم إيجاب زكاة الحلي:
عن عمرو بن دينار قال: سألت جابر بن عبد الله عن الحلي، هل فيه زكاة: قال: لا. قلت إن كان ألف دينار؟ قال: الألف كثير»– أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7076).
عن عائشة «أنها كانت لا تزكيه». أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (1075).
عن نافع عن ابن عمر قال: «ليس في الحلي زكاة». أخرجه عبد الرزاق في المصنف (7077).
تنازع الفقهاء في هذه المسألة، فذهبت طائفة إلى وجوب الزكاة في الحلي، وحجتهم الأحاديث والآثار الصحيحة التي جاءت بذلك كما تقدم، وأيضا لم يرد دليل على استثناء الحلي من عموم الأدلة الواردة في وجوب زكاة الذهب والفضة، وهذا مذهب الحنفية وبعض الحنابلة وابن حزم وغيرهم.
وخالفهم في ذلك آخرون، قالوا لا زكاة في الحلي واستدلوا لقولهم بالآثار الصحيحة التي جاءت عن الصحابة في ذلك وأيضًا استدلوا ببعض الأحاديث التي ضعفها أكثر أهل العلم – وفيها عدم وجوب الزكاة في الحلي.
وهذا مذهب مالك والشافعي والمشهور من مذهب أحمد.
ونذكر أقوال الفقهاء في المسألة:
أولا: القائلون بوجوب زكاة الحلي:
جاء في فتح القدير (2/223: 224)
وأما ما روي من حديث جابر عن النبي قال: «ليس في الحلي زكاة».
قال البيهقي: باطل لا أصل له، إنما يروى عن جابر من قوله: وأما الآثار المروية عن ابن عمر وعائشة وأسماء بنت الصديق.
فموقوفات ومعارضات بمثلها عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يزكين» حليهن ولا يجعلن الزيادة والهدية بينهن تقارضًا».
رواه ابن أبي شيبة وعن ابن مسعود قال «في الحلي زكاة» ورواه عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو أنه كان يكتب إلى خازنه سالم أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة رواه الدارقطني… وذكر آثار أخر ثم قال: مضت السُّنة أن في الحلي الذهب والفضة الزكاة، وفي المطلوب أحاديث كثيرة مرفوعة غير أنا اقتصرنا منها على ما لا شبهة في صحته، والتأويلات المنقولة عن المخالفين مما ينبغي صون النفس عن أخطارها والالتفات إليها.
وجاء في معالم السنن (2/15):
باب زكاة الحلي: بعد أن ذكر أدلة كل فريق، قال: قلت: الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجبها والأثر يؤيده ومن أسقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر والاحتياط أداؤها والله أعلم.
قال ابن حزم في المحلى (4/191):
قد صح عن النبي r إيجاب الزكاة في الذهب عمومًا ولم يخص الحلي منه بسقوط الزكاة فيه، لا بنص ولا بإجماع، فوجبت الزكاة بالنص في كل ذهب وفضة، وخص الإجماع المتيقن بعض الأعداد منهما وبعض الأزمان، فلم تجب الزكاة فيهما إلا في عدد أوجبه نص أو إجماع وفي زمان أوجبه نص أو إجماع، ولم يجز تخصيص شيء منهما، إذ قد عمهما النص، فوجب أن لا يفرق بين أحوال الذهب بغير نص ولا إجماع وصح يقينًا – بلا خلاف- أن رسول الله كان يوجب الزكاة في الذهب والفضة كل عام والحلي ذهب وفضة، فلا يجوز أن يقال «إلا الحلي» بغير نص في ذلك ولا إجماع- وبالله تعالى التوفيق.
قال الصنعاني في سبل السلام (2/533)
بعد أن ذكر حديث المرأة التي أتت النبي ومعها ابنتها وفي يديها سوارين، ثم ذكر حديث عائشة كما تقدم قال :
والحديث دليل على وجوب الزكاة في الحلية.
جاء في الشرح الممتع (6/133: 134).
فإن قال قائل: بماذا نجيب عن أدلة القائلين بعدم الوجوب قلنا نجيب بما يلي:
أما حديث «ليس في الحلي زكاة» فإنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، فضلاً عن أنه يعارض عموم الحديث الصحيح، ثم إن المستدلين به لا يقولون بموجبه، فلو أخذنا بموجبه لكان الحلي لا زكاة فيه مطلقًا، وهم لا يقولون بذلك، فيقولون: إن الحلي المعد للإجارة أو النفقة فيه الزكاة، وهذا معناه أننا أخذنا بالحديث من وجه وتركناه من وجه آخر، وهذا لو صح الحديث.
وأما ما روى الصحابة الخمسة فهو لا يقاوم عمومات الأحاديث عن النبي ولا سيما أن هناك دليلا خاصًا في الموضوع وهو حديث المرأة التي معها ابنتها، فإنه نص في الموضوع ولا عبرة بقول أحد مع قول رسول الله .
وأما القياس: فهو مع الفارق ومتناقض، أما كونه قياسًا مع الفارق ومتناقض، فلأن الأصل في الذهب والفضة وجوب الزكاة وليس الأصل في الفرس والعبد والثياب وجوب الزكاة فكيف نقيس ما أصله الزكاة على شيء الأصل فيه عدم الزكاة، وأما كونه متناقضًا فكما يلي:
لو كان له عبد قد أعده للأجرة، فليس فيه زكاة، ولو كان عنده خيل للأجرة فليس فيها زكاة، ولو كان عنده حلي للأجرة ففيه زكاة، وإذا لا يصح القياس.
ثم استدل بعموم الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب الزكاة في الحلي كما تقدم في الباب.
ثانيا: القائلون بعدم وجوب زكاة الحلي:
جاء في الموطأ (1/179):
فأما التبر والحلي المكسور، الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه، فإنما هو بمنزلة المتاع يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة.
قال الشافعي في الأم (2/57):
وللمرأة أن تتحلى ذهبًا وورقًا، ولا يجعل في حليها زكاة من لم ير في الحلي زكاة.
قال الشافعي: وإذا اتخذ الرجل أو المرأة إناء من ذهب أو ورق زكياه في القولين معًا. فإن كان إناء فيه ألف درهم قيمته مصوغًا ألفان، فإنما زكاته على وزنه لا على قيمته.
وإذا انكسر حليها فأرادت إخلافه أو لم ترده فلا زكاة فيه في قول من لم ير في الحلي زكاة، إلا أن تريد إذا انكسر أن تجعله مالاً تكتنزه فتزكيه.
قال المرداوي في الإنصاف (3/125: 126):
قوله: «لا زكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال في ظاهر المذهب» وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب، وعنه تجب فيه الزكاة، قال في الفائق: وهو المختار نظر، وعنه تجب فيه الزكاة إذا لم يعر ولم يلبس.
تعقيب وترجيح
والذي أرجحه بعد ذكر هذه الأقوال والمذاهب، هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهو ما ذهب إليه الحنفية وبعض الحنابلة والإمام ابن حزم ومن المعاصرين العلامة ابن عثيمين من وجوب الزكاة في الحلي ومن أظهر ما استدل به الأحاديث التي جاءت صحيحة صريحة عن النبي في إيجاب زكاة الحلي والتي ذكرناها في المسألة ولا يجوز رد أحاديث النبي والأخذ بالاجتهاد وإن كان من الصحابة وهذا مجمع عليه من أهل العلم، ولا يجوز القياس مقابل النص كما تقرر في الأصول، والله تعالى أعلم.
مجلة التوحيد- المقالة الثانية والعشرون من فقه المرأة
للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com