>> المقال الثاني عشر: أحوال الاستحاضة (المستحاضة المبتدأ)
فقه المرأة
باب الطهارة – المقالة الثانية عشر
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلمِ
أما بعد:
فقد بدأنا في المقالة السابقة في دم الاستحاضة، وذكرنا تعريفها، وصفة دم الاستحاضة، والفرق بين دم الاستحاضة ودم والحيض، وذكرنا بعض الأحكام المتعلقة بالاستحاضة، من جواز وطء المستحاضة، وغسل المستحاضة، وهل على المستحاضة وضوء عند كل صلاة؟ ونستكمل ما بدأناه في الحلقة السابقة، سائلين الله جل وعلا أن يجعلها في ميزان حسناتنا إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
أحوال المستحاضة:
للمستحاضة أحوال ثلاثة، إما أن تكون مبتدأة أو معتادة أو متحيرة، ولكل حالة من هذه الحالات حكمًا مستقلًا.
أولًا: المستحاضة المبتدأة:
المبتدأة: هي التي ابتدأ بها الحيض، وصاحبه دم الاستحاضة- منح الجليل (1/167).
اختلف الفقهاء في المستحاضة المبتدأة على النحو التالي:
القول الأول: ذهب الحنفية إلى أن المبتدأة يقدر حيضها بعشرة أيام وما زاد فهو استحاضة، فتمكث عشرة أيام حيض وعشرين يومًا استحاضة، لأن أكثر مدة الحيض عندهم عشرة أيام- المبسوط للسرخسي (3/153).
القول الثاني: ذهب المالكية إلى أن المبتدأة تترك الصلاة والصوم مقدار حيض أقرانها من النساء ثم تستظهر بثلاثة أيام- الكافي في فقه أهل المدينة (1/187).
وقيل خمسة عشر يومًا بناء على أن أكثر الحيض عندهم خمسة عشر يومًا.
وقيل تستظهر بثلاثة أيام ثم هي بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلي ويأتيها زوجها- أسهل المدراك (1/140).
القول الثالث: ذهب الشافعية إلى أن المبتدأة إما أن تكون مميزة أو غير مميزة
فإن كانت غير مميزة والدم على صفة واحدة ففيها قولان:
أحدهما: تحيض أقل الحيض، لأنه يقين وما زاد فهو مشكوك فيه، فلا يحكم بكونه حيضًا.
والثاني: ترد إلى غالب عادة النساء وهو ستة أيام أو سبعة أيام وهو الأصح.
واستدلوا بحديث حمنة بنت جحش قالت: ” كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم. فقال …. تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي “- أخرجه أبو داود (287)، والطبراني في المعجم الكبير (551)، والدار قطني (834)، والحاكم في المستدرك (615).
وإن كانت مميزة، فترى دمًا قويًا كالأسود وآخر ضعيفًا كالأحمر، فالقوي دم حيض والضعيف دم استحاضة، بشرط ألا ينقص الأسود عن أقل الحيض ولا يزيد على أكثره، ولا ينقص الأحمر عن أقل الطهر وهو خمسة عشر يومًا، فإن فقدت شرط من الشروط فهي فاقدة للتمييز، وحكمها حكم المبتدأة غير المميزة- الإقناع للشربيني(1/97).
واستدلوا بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض, فقال لها النبى ﷺ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ»- صحيح سنن أبي داود (286)، والنسائي (363)، والإرواء (204).
القول الرابع: ذهب الحنابلة إلى أن المبتدأة إما أن تكون مميزة أو غير مميزة،
فإن كانت دمها مميزًا بأن كان بعضه أسود ثخينًا وبعضه أحمر رقيق واستطاعت تمييز كل واحد منهما عن الآخر، فحيضها زمن الأسود الثخين، إن صلح أن يكون حيضًا بأن لا ينقص عن أقل الحيض ولا يجاوز أكثره- المغني (1/226).
واستدلوا بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض, فقال لها النبى ﷺ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ»- صحيح سنن أبي داود (286)، والنسائي (363)، والإرواء (204).
فإن نقص عن أقل الحيض أو زاد عن أكثره فهو استحاضة- المغني (1/226).
فإن كانت غير مميزة: وهي التي لم يكن لها تمييز، أو أن الدم لم يتميز بعضه عن بعض بأن كان كله أسود أو أحمر أو نحو ذلك، تمكث ستة أيام أو سبعة أيام لأنه غالب عادة النساء- المغني (1/240).
ولحديث حمنة بنت جحش قالت: ” كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله، إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم. فقال …. تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي “- أخرجه أبو داود (287)، والطبراني في المعجم الكبير (551)، والدار قطني (834)، والحاكم في المستدرك (615).
أقوال العلماء في المسألة
جاء في المبسوط للسرخسي (3/154،153):
فإن جاوز العشرة واستمر بها الدم فحيضها عشرة أيام من أول ما رأت الدم وطهرها عشرون يومًا؛ لأن أمر الحيض مبني على الإمكان لتأيده بسبب ظاهر، وهو رؤية الدم وإلى العشرة الإمكان موجود فجعلناها حيضا، وإذا انقطع لتمام العشرة كان الكل حيضًا فبزيادة السيلان لا ينتقص الحيض، وإذا كانت العشرة حيضًا فبقية الشهر وذلك عشرون يومًا طهرها؛ لأن الشهر يشتمل على الحيض والطهر عادة.
وعن أبي يوسف – رحمه الله تعالى – أنها تأخذ بالاحتياط فتغتسل بعد ثلاثة أيام ثم تصوم وتصلي سبعة أيام بالشك، ولا يقربها زوجها حتى تغتسل بعد تمام العشرة، وتقضي صيام الأيام السبعة؛ لأن الاحتياط في باب العبادات واجب، ومن الجائز أن حيضها أقل الحيض فتحتاط لهذا، وهو ضعيف فإنا قد عرفناها حائضًا، ودليل بقائها حائضًا ظاهر، وهو سيلان الدم فلا معنى لهذا الاحتياط.
جاء في أسهل المدارك (1/140):
وتعتبر المبتدأة بأترابها ” وهي التي لم يتقدم لها حيض قبل ذلك، فإن تمادى بها الدم فالمشهور أنها تمكث خمسة عشر يوما .. وفي المدونة: ما رأت المرأة من الدم أول بلوغها فهو حيض، فإن تمادى بها قعدت عن الصلاة خمسة عشر يوما، ثم هي مستحاضة وتغتسل وتصوم وتصلي وتوطأ اهـ.
قال المصنف رحمه الله: ” فإن تجاوزتهن فرواية ابن القاسم في المدونة تتمادى أكثره ” أي تتمادى إلى تمام خمسة عشر يومًا، ثم هي مستحاضة تغتسل وتصلي وتصوم وتوطأ كما تقدم.
جاء في المجموع شرح المهذب (2/396):
إن عبر الدم الخمسة عشر فقد اختلط حيضها بالاستحاضة فلا يخلو إما أن تكون مبتدأة غير مميزة …. فإن كانت مبتدأة غير مميزة وهي التي بدأ بها الدم وعبر الخمسة عشر والدم على صفة واحدة ففيها قولان: أحدهما تحيض أقل الحيض لأنه يقين وما زاد مشكوك فيه فلا يحكم بكونه حيضًا، والثاني ترد إلى غالب عادة النساء وهو ست أو سبع، وهو الأصح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: تحيضي في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام كما تحيض النساء ويطهرن ميقات حيضهن وطهرهن، ولأنه لو كان لها عادة ردت إليها لان حيضها في هذا الشهر كحيضها فيما تقدم، فإذا لم يكن لها عادة فالظاهر أن حيضها كحيض نسائها ولداتها فردت إليها، وإلى أي عادة ترد؟ فيه وجهان: أحدهما: إلى غالب عادة النساء؛ لحديث حمنة، والثاني: إلى عادة نساء بلدها وقومها؛ لأنها أقرب إليهن، فإن استمر بها الدم في الشهر الثاني اغتسلت عند انقضاء اليوم والليلة في أحد القولين، وعند انقضاء الست والسبع في الآخر.
جاء في الإقناع للشربيني (1/97):
وتسمى المجاوزة للخمسة عشر بالمستحاضة فينظر فيها فإن كانت مبتدأة وهي التي ابتدأها الدم مميزة بأن ترى في بعض الأيام دمًا قويا وفي بعضها دمًا ضعيفًا فالضعيف من ذلك استحاضة، والقوي منه حيض، إن لم ينقص القوي عن أقل الحيض ولا جاوز أكثره، ولا نقص الضعيف عن أقل الطهر وهو خمسة عشر يومًا، وإن كانت مبتدأة غير مميزة بأن رأته بصفة واحدة، أو فقدت شرط تمييز من شروطه السابقة، فحيضها يوم وليلة، وطهرها تسع وعشرون بقية الشهر.
جاء في المغني (1/226،240):
فمن أطبق بها الدم فكانت ممن تميز، فتعلم إقباله بأنه أسود ثخين منتن، وإدباره رقيق أحمر، تركت الصلاة في إقباله، فإذا أدبر، اغتسلت، وتوضأت لكل صلاة وصلت) قوله: ” طبق بها الدم “. يعني امتد وتجاوز أكثر الحيض، فهذه مستحاضة، قد اختلط حيضها باستحاضتها، فتحتاج إلى معرفة الحيض من الاستحاضة لترتب على كل واحد منهما حكمه….. فإن استمر بها الدم ولم يتميز، قعدت في كل شهر ستًا أو سبعًا؛ لأن الغالب من النساء هكذا يحضن.
الراجح
والذي يظهر لي بعد عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم رحجان ما ذهب إليه الشافعية وهو أن المبتدأ إن كانت مميزة تستطيع أن تميز لون دم الحيض وصفته وقدره عن لون دم الاستحاضة فتعمل بالتمييز، فما كان على صفة دم الحيض فهو حيض، وما كان على صفة دم الاستحاضة فهو استحاضة، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت غير مميزة بأن كانت لا تستطيع تمييز لون دم الحيض عن لون دم الاستحاضة فتبنى على حال أغلب النساء، فإن كان الغالب من حال النساء من حولها أن تحيض مثلا فى الشهر ستة أيام أو سبعة فتبنى على ذلك بمعنى أنها تنتظر من ابتداء حيضها ستة أيام أو سبعة وتعتبرها أيام حيض يحرم عليها فيها ما يحرم على الحائض ثم يباح لها بعد ذلك ما يباح للطاهر، وذلك بعد أن تغتسل، والله تعالى أعلم.
مجلة التوحيد- المقالة الثانية عشر من فقه المرأة
للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com