>> المقال الثالث والعشرون: هل الزكاة تجوز على الزوج أو الزوجة وحكم زكاة الصداق
فقه المرأة
باب الزكاة – المقالة الثالثة والعشرون
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
شرعنا بفضل الله تعالى في الأحكام المتعلقة بالمرأة في باب الزكاة، وذكرنا تعريف الزكاة، وحكم زكاة حلي المرأة، ونستكمل ما بدأناه سائلين الله تعالى أن يتقبل جهد المقل و أن ينفع به المسلمين.
أولًا: هل تدفع الزوجة زكاتها إلى زوجها الفقير؟
بيّن أهل العلم نزاع في ذلك، فذهبت طائفة إلى جواز إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها الفقير واستدل لقولهم بما روي عن عمر بن الحارث عن زينب امرأة عبد الله، قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي فقال: “تصدقن ولو من حُليكن” وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها قال: فقالت لعبد الله: سل رسول الله أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله فانطلقت إلى النبي فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمرَّ علينا بلال، فقلنا: سل النبي أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري وقلنا: لا تخبر بنا فدخل فسأله، فقال: من هما؟ قال زينب، قال : أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله. قال: نعم لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة”- أخرجه البخاري (1466)، ومسلم (1000).
وأيضًا استدل لقولهم بأن الزوجة لا تلزمها الإنفاق على الزوج، وهذا مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد وأهل الظاهر واختلفت الرواية عن مالك.
وقالت طائفة، لا يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها الفقير وحملوا الصدقة التي حضَّ عليها رسول الله في الحديث على أنها صدقة تطوع وليست الصدقة المفروضة.
وهذا مذهب أبي حنيفة ورواية عن مالك وإحدى الروايتين عن أحمد .
ونذكر أقوال أهل العلم:
جاء في مواهب الجليل (2/420):
قوله (وهل يمنع إعطاء زوجة زوجها أو يكره) تأويلان من المدونة، قال ابن القاسم: لا تعطي المرأة زوجها من زكاتها، حملها ابن زرقون وغيره على عدم الإجزاء.
وروى ذلك ابن حبيب عن مالك وحملها ابن القصار على الكراهة، قال اللخمي: وإن أعطى أحد الزوجين للآخر ما يقضي به دينه جاز.
جاء في شرح المهذب (6/174):
قال أصحابنا ولو كانت الزوجة ذات مال فلها صرف زكاتها إلى الزوج إذا كان بصفة الاستحقاق سواء صرفت من سهم الفقراء والمساكين أو نحوهم لأنه لا يلزمها نفقته فهو كالأجنبي وكالأخ وغيره من الأقارب الذين لا تجب نفقتهم ودفعها إلى الزوج أفضل من الأجنبي.
قال صاحب المغني (2/407: 408):
أما الزوج ففيه روايتان:
أحدهما: لا يجوز دفعها إليه وهو اختيار أبي بكر ومذهب أبي حنيفة، لأنه أحد الزوجين، فلم يجز للآخر دفع زكاته إليه كالآخر ولأنها تنتفع بدفعها إليه لأنه إن كان عاجزًا عن الإنفاق عليها تمكن بأخذ الزكاة من الإنفاق فيلزمه وإن لم يكن عاجزًا ولكنه أيسر بها لزمته نفقة الموسرين فتنتفع بها في الحالتين، فلم يجز لها ذلك كما لو دفعتها في أجرة دار أو نفقة رقيقها.
الرواية الثانية: يجوز لها دفع زكاتها إلى زوجها وهو مذهب الشافعي وابن المنذر وطائفة من أهل العلم، لأن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: يا نبي الله… وساق الحديث كما تقدم.
وروى الجوزجاني بإسناده عن عطاء قال: أتت النبي r امرأة فقالت: يا رسول الله إن عليّ نذر أن أتصدق بعشرين درهمًا، وإن لي زوجًا فقيرًا، أفيجزئ عني أن أعطيه؟ قال: نعم لك كفلان من الأجر.
ولأنه لا تجب نفقته فلا يمنع دفع الزكاة إليه كالأجنبي، ويفارق الزوجة فإن نفقتها واجبة عليه، ولأن الأصل جواز الدفع لدخول الزوج في عموم الأصناف المسمين في الزكاة.
وليس في المنع نصٌّ ولا إجماع، وقياسه على من ثبت المنع في حقَّه غير صحيح لوضوح الفرق بينهما فيبقى جواز الدفع ثابتًا والاستدلال بهذا أقوى من الاستدلال بالنصوص لضعف دلالتها.
وجاء في المحلى (4/267) مسألة 722:
وتعطي المرأة زوجها من زكاتها، إن كان من أهل السهام، صح عن رسول الله أنه أفتى زينب امرأة ابن مسعود بالصدقة، فسألته: أيسعها أن تضع صدقتها في زوجها وفي بني أخ لها يتامى؟ فأخبرها عليه الصلاة والسلام أن لها أجرين: أجر الصدقة وأجر القرابة.
وإلى هذا القول ذهب الشوكاني في النيل (4/210)، والعلامة ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/266).
تعقيب وترجيح
والذي تطمئن إليه النفس في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الشافعي والمشهور عن أحمد وأهل الظاهر من جواز إعطاء الزوجة زكاتها لزوجها الفقير، ومن أشف ما يستدل به أن الزوج الفقير هو أحد الأصناف الثمانية التي جاءت في الآية الكريمة في قوله تعالى
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة: 60] والله تعالى أعلم.
2- لا تجوز الزكاة على الزوجة:
قال تعالى :
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ[البقرة: 233]
قال تعالى ۚ
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ۖ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا
[الطلاق: 7].
– وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما الطويل في حجة النبي r وفيه أن النبي r قال: “… فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف”– أخرجه مسلم (1218).
– عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: “أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، أو (اكتسبت)، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت”- صحيح سنن أبي داود (2142).
– عن عائشة أن هندًا بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم ، فقال: “خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف”- أخرجه البخاري (5364).
أجمع جمهور العلماء على عدم جواز إعطاء الزوج زكاته إلى الزوجة، وحجتهم في ذلك أن نفقة الزوجة واجبة على الزوج وبإعطائها زكاته يدفع عن نفسه النفقة ويعود إليه مال الزكاة، إلا إذا كانت غارمة فتعطى من سهم الغارمين وهذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
ونذكر بعضًا من أقوال أهل العلم:
قال الكاساني في بدائع الصنائع (2/74):
ولا يجوز أن يدفع الرجل الزكاة إلى زوجته بالإجماع.
وهذا قول الشافعية في شرح المهذب (6/173)، ومالك في المدونة (1/345) وغيرهم.
قال صاحب المغني (2/407):
أما الزوجة: فلا يجوز دفع الزكاة إليها إجماعًا.
قال ابن المنذر:
أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة فلم يجز دفعها إليها كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها- الإجماع (ص:49).
3- زكاة صداق المرأة:
صداق المرأة والمهر المؤجل لم يرد فيه نص لا من قرآن ولا سنة، فشأنه كشأن الدين يرجى رجوعه أو لا يرجى رجوعه:
وبيانه كالتالي:
ذهب فريق من أهل العلم إلى أن المال الذي يرجى رجوعه إذا قبضه استأنف من يوم قبضه عام ثم زكى المال، لأن أصحاب هذا القول يقولون: لا زكاة في الدين وهذا مذهب المالكية وقول للشافعية وابن حزم.
وقال آخرون: المال الذي يرجى رجوعه إذا قبضه صاحبه زكى عنه ما مضى من الأعوام وهذا مذهب الحنابلة وأبي حنيفة، وقال قوم: يزكي المال وإن لم يقبضه لأنه كالوديعة، وهذا مذهب الشافعي وبعض الحنفية.
أما المال الذي لا يرجى رجوعه، فمذهب الجمهور أنه لا يزكي، فإن حصل عليه استأنف من يوم قبضه عام ثم زكى المال، وقيل: يزكي عام قبضه عن عام ولا دليل على هذا القول، أي أنه يزكي الدين عام قبضه عن عام، لأن الدين إما أن يكون فيه زكاة فيزكي عن جميع الأعوام، وإما أنه ليس فيه زكاة فيستأنف به عام من يوم قبضه ثم يزكي.
وهذه بعض أقوال العلماء في المسألة:
جاء في التجريد للقدوري (3/1262):
قال أبو حنيفة: لا زكاة في المهر قبل القبض لأن المهر بدل عما لا يجب فيه الزكاة فلم يجب فيه الزكاة قبل القبض كالخيل.
في مواهب الجليل (2/372):
أما دين الفائدة فقال ابن رشد: ينقسم أيضا على أربعة أقسام أحدها أن يكون من ميراث أو عطية أو أرش جناية أو مهر امرأة أو ثمن خلع وما أشبه ذلك فهذا لا زكاة فيه إلا بعد حول من قبضه حالا كان أو مؤجلا ولو فر بتأخيره.
جاء في المجموع (5/508)
اتفقت نصوص الشافعي t والأصحاب رحمهم الله تعالى على أن المرأة يلزمها زكاة الصداق إذا حال عليه الحول، ويلزمها الإخراج عن جميعه في آخر الحول بلا خلاف، وإن كان قبل الدخول، ولا يؤثر كونه معرضًا للسقوط بالفسخ برده أو غيرها أو نصفه بالطلاق.
قال ابن قدامة في المغني (3/39):
إن الصداق في الذمة دين للمرأة حكمه حكم الديون على ما مضى، إن كان على مليء به فالزكاة واجبة فيه إذا قبضته أدت لما مضى، وإن كان على معسر أو جاحد فعلى الروايتين.
واختار الخرقي وجوب الزكاة فيه، ولا فرق بين ما قبل الدخول أو بعده، لأنه دين في الذمة فهو كثمن مبيعها فإن سقط نصفه بطلاقها قبل الدخول وأخذت النصف فعليها زكاة ما قبضته دون ما لم تقبضه، لأنه دين لم تتعوض عنه ولم تقبضه فأشبه ما تعذر قبضه لفلس أو جحد، وكذلك لو سقط كل الصداق قبل قبضه لانفساخ النكاح بأمر من جهتها فليس عليه زكاته لما ذكرنا.
وكذلك القول في كل دين يسقط قبل قبضه من غير إسقاط صاحبه، أو يئس صاحبه، من استيفائه، والمال الضال: إذا يئس منه فلا زكاة على صاحبه.
فالزكاة مواساة فلا تلزم المواسة إلا مما حصل له. وإن كان الصداق نصابًا فحال عليه الحول ثم سقط نصفه وقبضت النصف فعليها زكاة النصف المقبوض، لأن الزكاة وجبت فيه ثم سقط من نصفه لمعنى اختص به فاختص السقوط به، وإن مضى عليه حول قبل قبضه ثم قبضته كله زكته لذلك الحول، وإن مضت عليه أحوال قبل قبضه ثم قبضته زكته لما مضى كله ما لم ينقص عن النصاب.
قال ابن حزم في المحلى (4/224)
وأما المهور والخلع والديات، فمنزله ما قلنا، ما لم يتعين المهر، لأن كل ذلك دين، فإن كان المهر فضة معينة – دراهم أو غير ذلك – أو ذهبا بعينه دنانير أو غير ذلك – أو ماشية بعينها – أو نخلاً بعينها أو كان كل ذلك ميراثًا، فالزكاة واجبة على من له كل ذلك، لأنها أموال صحيحة ظاهرة موجودة، فالزكاة فيها ولا معنى للقبض في ذلك ما لم يمنع صاحبه شيء من ذلك، فإن منع صار مغصوبًا وسقطت الزكاة كما قدمنا – وبالله التوفيق.
تعقيب وترجيح
الذي يحدث في زماننا يختلف عما كان في زمن الأئمة، فالآن المؤخر يقيد في وثائق الزواج بقيد بأن يؤخذ عند أحد الأجلين، إما الطلاق وإما الوفاة.
فعلى هذا أرى أن الصواب في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة والمالكية، وموافقوهم من أن مهر المرأة حكمه حكم الدين الميت، لا يزكى إلا إذا قبض وحال عليه الحول، والله تعالى أعلم.
مجلة التوحيد- المقالة الثالثة والعشرون من فقه المرأة
للدكتورة/ أم تميم عزة بنت محمد
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com