>> فقه المرأة_المقال الثالث: تعريف الحيض وأنواع الدماء
فقه المرأة
باب الطهارة – المقالة الثالثة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أما بعد
بعد أن بينا أنواع الإفرازات الخارجة من المرأة وحكمها، يجدر بنا أن نبين أنواع الدماء الخارجة من المرأة وأحكامها، ولا يخفى أن معرفة المرأة لهذه الأنواع وأحكامها من الأهمية بمكان، وسأبدأ بالحيض لأهميته وعظم ما يترتب عليه من أحكام.
قال ابن نجيم في البحر الرائق ( 1/199):
“ومعرفة مسائل الحيض من أعظم المهمات، لما يترتب عليها ما لا يحصى من الأحكام، كالطهارة، والصلاة، وقراءة القرآن، والصوم، والاعتكاف، والحج، والبلوغ، والوطء، والطلاق، والعدة، والاستبراء وغير ذلك من الأحكام وكان من أعظم الواجبات، لأن عظم منزلة العلم بالشيء بحسب منزلة ضرر الجهل به، وضرر الجهل بمسائل الحيض أشد من ضرر الجهل بغيرها فيجب الاعتناء بمعرفتها، وإن كان الكلام فيها طويلًا فإن المُحَصِّل يتشوف إلى ذلك”.
أولًا: تعريف الحيض :
الحيض لغة: حاضت المرأة تحيض حيضًا ومحيضًا، والمحيض يكون اسمًا ويكون مصدرًا، وجمع الحائض: حوائض وحيض، وقال المبرد: سمي الحيض حيضًا من قولهم حاض السيل إذا فاض، والحيضة: المرة الواحدة من دفع الحيض ونوبه، والحيضات جماعة، وقيل: الحيضة الدم نفسه. وفي الحديث: “إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ “-أخرجه مسلم (298) ، والحيضة، بالكسر: الاسم من الحيض والحال التي تلزمها الحائض من التجنب، والتحيض كالجلسة والقعدة من الجلوس والقعود، وتحيضت المرأة إذا قعدت أيام حيضتها تنتظر انقطاعه، يقول: عدي نفسك حائضًا وافعلي ما تفعل الحائض، وحاضت المرأة: أي بلغت سن المحيض وجرى عليها القلم. والحِيضَة: الخرقة التي تستثفر بها المرأة،وفي الحديث قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا لُحُومُ الْكِلَابِ وَالْحِيَضُ وَالنَّتَنُ؟ فَقَالَ: «الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» سنن أبي داود (66)، وسنن الترمذي (66) سنن النسائي (326) قال النووي في المجموع (1/127) حديث صحيح، وصححه الحافظ في التلخيص (127)، ويقع المحيض على المصدر والزمان والدم– لسان العرب لابن منظور (7/143،142).
تعريف الحيض عند أصحاب المذاهب الأربعة:
قال الكاساني الحنفي في بدائع الصنائع (1/39):
الحيض اسم لدم خارج من الرحم لا يعقب الولادة، مقدر بقدر معلوم في وقت معلوم.
قال ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية (ص:31):
الحيض هو الدم الخارج من فرج المرأة التي يمكن حملها عادة، من غير ولادة، ولا مرض، ولا زيادة على الأمد.
قال الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج (1/277):
الحيض دم جبلة، يخرج من أقصى رحم المرأة، بعد بلوغها، على سبيل الصحة، من غير سبب، في أوقات معلومة.
قال البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات (1/110):
دم طبيعة وجبلة، يرخيه الرحم، يعتاد أنثى إذا بلغت، في أيام معلومة.
ثانيًا: ألوان دم الحيض
1- السواد:
عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال لها النبى ﷺ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ» – صحيح سنن أبي داود (286)، والنسائي (363)، والإرواء (204).
2- الصفرة والكدرة:
الصفرة: هي لون من ألوان الدم إذا رق، وقيل هو كصفرة السن، أو كصفرة التبن، وأما الكدرة فلون كلون الماء الكدر – المبسوط للسرخسي ( 3/150).
قال إمام الحرمين: هما شئ كالصديد يعلوه صفرة وكدرة ليسا على لون شئ من الدماء القوية ولا الضعيفة – المجموع (2/389).
اختلف الفقهاء في الصفرة والكدرة هل تعد حيضًا أم لا؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي غير أيام الحيض لا تعد حيضًا. وإليه ذهب الحنفية ( المبسوط 3/150)، وهو قول في مذهب المالكية (مواهب الجليل شرح مختصر خليل 1/364)، وقول في مذهب الشافعية (المجموع شرح المهذب 2/388)، والحنابلة ( المغني لابن قدامة 1/241)، واختيار ابن تيمية (مجموع الفتاوى (26/220)
وقال أبو يوسف: إن رأت الكدرة في أول أيام الحيض لم يكن حيضًا، وإن رأته في آخر أيام حيضها كان حيضًا – (المبسوط 3/150).
واستدلوا على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي غير أيام الحيض لا تعد حيضًا:
بحديث عائشة: «كُنَّ نِسَاء يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرجَة فِيْهَا الكُرْسُف فِيْهِ الصُّفْرَة فَتَقُول: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَريْنَ القُصَّة البَيْضَاء، تُرِيْد بِذَلِكَ الطُّهْر مِنَ الحَيْضِ» _ رواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم -3 انظر فتح الباري (1/420).
وعن أم عطية قالت: « كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا » – أخرجه البخاري(326).
وفي رواية «كنا لا نعد الكدرة، والصفرة بعد الطهر شيئًا» رواه أبو داود وصححه الألباني(307).
قال الحافظ في الفتح [ 1/ 507]:
قوله: (باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض) يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها: « حَتَّى تَريْنَ القُصَّة البَيْضَاء » وبين حديث أم عطية، بأن ذلك محمول على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالته أم عطية.
جاء فى نيل الأوطار للشوكاني [1/ 340]:
بعد أن ذكر حديث أم عطية المتقدم قال: والحديث يدل على أن الصفرة والكدرة بعد الطهر ليستا من الحيض وأما وقت الحيض فهما حيض، وقد نسب القول بذلك فى البحر إلى زيد بن على والهادى والمؤيد بالله وأبى طالب وأبى حنيفة ومحمد ومالك والليث والعنبرى وفى رواية عن القاسم وعن الناصر وعن الشافعى مستدلًا لهم إذا هو أذى، ولقوله تعالى: ﴿حتى يطهرن﴾.
وجاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلي [1/ 243]:
إذا رأت فى أيام عادتها صفرة أو كدرة فهو حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها لم يعتد به. نص عليه أحمد.. واستدل بحديث عائشة وأم عطية كما ذكرنا فى الباب.
واستدل أبو يوسف على أن الكدرة في أول أيام الحيض ليست حيضًا، وفي آخر أيام الحيض تعد حيضًا:
بأن الكدرة من كل شيء تتبع صافيه، فإذا تقدمها دم أمكن جعل الكدرة حيضًا تبعًا، فأما إذا لم يتقدمها دم فلو جعلناه حيضًا كان مقصودًا لا تبعًا. (المبسوط 3/150).
القول الثاني: الصفرة والكدرة حيض مطلقًا، سواء أكانت في أيام الحيض أو في غير أيام الحيض. وهو ما ذهب إليه المالكية (المدونة 1/152)، والشافعية في الأصح بشرط أن يكون في زمان الإمكان (مغني المحتاج 1/284).
جاء في المجموع شرح المهذب للنووي (2/388)
“والمذهب أنه حيض لأنه دم صادف زمان الإمكان ولم يجاوزه فأشبه إذا رأت الصفرة والكدرة في أيام عادتها“
القول الثالث: الصفرة والكدرة ليست حيضًا مطلقًا، لا في أيام الحيض ولا في غير أيام الحيض، وهو ما ذهب إليه ابن حزم ( المحلى بالآثار 1/383) والشافعية في القول الثاني (مغني المحتاج 1/284).
واحتجوا على أن الصفرة والكدرة ليست حيضًا مطلقًا:
بما روي عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض، فقال لها النبى ﷺ: «إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ»- صحيح سنن أبي داود (286)، والنسائي (363)، والإرواء (204).
فدل على أن ما عدا الدم الأسود من صفرة أو كدرة أو غير ذلك لا يعد حيضًا، ولا يمنع من صلاة ولا من صوم ولا من وطء- المحلى بالآثار (1/389)
وعن أم عطية قالت: « كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا » – أخرجه البخاري(326).
فدل الحديث على أن الصفرة والكدرة لا تعد شيئاً لا قبل الطهر ولا بعد الطهر- المحلى بالآثار (1/385).
الراجح
بعد عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم يترجح لدي القول الأول القائل بأن الصفرة والكدرة في زمان الحيض تعد حيضًا وفي غير زمان الحيض لا تعد حيضًا، وهو ما ذهب إليه الحنفية وهو قول في مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية، والحنابلة، واختيار ابن تيمية، وذلك جمعًا بين حديث عائشة رضي الله عنها وحديث أم عطية فإن إعمال كلا الدليلين أولى من إهمال أحدهما، والله تعالى أعلم.
ثالثًا: مدة الحيض
تنازع العلماء فى أقل مدة للحيض وأكثر مدة له، فمنهم من قال: أقل مدة يوم وليلة
وأكثر مدة خمسة عشر يومًا، ومنهم من قال: لم يرد نص يبين أقل مدة للحيض أو أكثر مدة.
ونذكر بعض أقوال أهل العلم في المسألة:
جاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلي [1/ 228]:
قال الخلال: مذهب أبى عبد الله لا أختلف فيه: أن أقل الحيض يوم وأكثره خمسة عشرة يومًا. وقيل عنه: أكثره سبعة عشرة يومًا. وللشافعى قولان، كالروايتين فى أقله وأكثره، وقال الثورى وأبو حنيفة وصاحباه: أقله ثلاثة أيام وأكثره عشرة… ثم قال ولنا: إنه ورد فى الشرع مطلقًا من غير تحديد. ولا حد له فى اللغة ولا فى الشريعة، فيجب الرجوع فيه إلى العرف والعادة.
قال الشوكاني في السيل الجرار (1/337):
لم يأت في تقدير أقل الحيض وأكثره ما يصلح للتمسك به، بل جميع الوارد في ذلك إما موضوع أو ضعيف لمرة، والذي ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: «تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ اللَّيَالِي ذَوَاتِ العَدَدِ لَا تُصَلِّي»أ.هـ أصل الحديث أخرجه البخاري (304) وفيه: “… ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟» قلن بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها وأخرجه مسلم (80) باختلاف.
سُئل شيخ الإسلام فى مجموع الفتاوى [21/623] عما يروى عن النبى ﷺ أنه قال: الحيض للجارية البكر ثلاثة أيام ولياليهن، وأكثره خمسة عشرة: هل هو صحيح؟
فأجاب: أما نقل هذا الخبر عن النبي ﷺ فهو باطل، بل هو كذب موضوع، باتفاق علماء الحديث. ولكن هو مشهور عن أبى الخلد عن أنس، وقد تكلم فى أبى الخلد.
وأما الذين يقولون: أكثر الحيض خمسة عشر، كما يقوله: الشافعى وأحمد ويقولون: أقله يوم، كما يقوله الشافعى وأحمد، أو لا حد له كما يقوله مالك، فهم يقولون: لم يثبت عن النبى ﷺ ولا عن أصحابه فى هذا شىء، والمرجع فى ذلك إلى العادة، كما قلنا. والله أعلم. انتهى.
وهذا هو الراجح عندي كما قال شيخ الإسلام، والله أعلم.
مجلة التوحيد- المقالة الثالثة من فقه المرأة
للشيخة أم تميم
الموقع الرسمي لأم تميم
www.omtameem.com