أحكام متعلقة بصيام الستة من شوال
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فهذه بعض الأحكام المتعلقة بصيام الستة من شوال والعيد، سائلين الله تعالى أن يتقبل جهد المقل وينفع بها المسلمين.
أولًا: استحباب صيام ستة أيام من شوال:
ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب صيام ستًّا من شوال، وهذا مذهب الشافعي وأحمد وأكثر الحنفية وأكثر المالكية وداود الظاهري وغيرهم.
واستداوا على ذلك بما يأتي:
عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر»- أخرجه مسلم (1164).
وخالفهم في ذلك آخرون، قالوا: يكره صيام ستًا من شوال. وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك.
وحجتهم في ذلك: حتى لا يلحق صيام شوال بالفريضة، فيظن الناس أنه واجب كصيام رمضان.
أقوال أهل العلم في المسألة:
أولًا: من قال باستحباب صوم شوال:
قال النووي في شرح مسلم (4/313):
فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة.
قال السيوطي في مطالب أولي النهى (3/ 136):
بعد أن ذكر حديث الباب، قال أحمد: هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجري مجرى التقديم لرمضان لأن يوم العيد فاصل.
ثانيًا: من قال بالكراهة:
جاء في بدائع الصنائع (2/ 117):
قال أبو يوسف: كانوا يكرهون أن يتبعوا رمضان صوما خوفًا أن يلحق ذلك بالفريضة.
قال الكاساني:
المكروه هو أن يصوم يوم الفطر ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة اهـ.
قال ابن عبد البر في الاستذكار (3/380):
لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه والذي كرهه له مالك أمر قد بينه وأوضحه، وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان وأن يستبين ذلك إلى العامة وكان – رحمه الله – متحفظًا، كثيرَ الاحتياط للدين.
وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه فإن مالكًا لا يكره ذلك إن شاء الله.
ثانيًا: صيام الستة أيام من شوال متوالية عقب يوم الفطر أو متفرقة:
يجوز صيام الستة أيام من شوال متفرقة أو متتابعة في أول الشهر أو آخره، لأن الحديث ورد مطلقًا، وهذا مذهب جمهور أهل العلم.
جاء في المجموع شرح المهذب (6/427):
قال النووي: يستحب صوم ستة أيام من شوال لهذا الحديث، قالوا: ويستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال، فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال جاز وكان فاعلاً لأصل هذه السنة لعموم الحديث وإطلاقه.
جاء في شرح غاية المنتهى (3/136):
وسن صوم ستة أيام من شوال ولو متفرقة، والأولى تتابعها.
ثالثًا: هل يجوز صوم الستة من شوال قبل قضاء صيام رمضان؟
لم يرد في هذه المسألة نص من كتاب أو سنة ولم ينعقد الإجماع على شيء صريح، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز صيام الستة أيام من شوال قبل قضاء رمضان.
وحجتهم في ذلك:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال» أخرجه مسلم (1164).
وجه الدلالة:
أن الذي عليه صوم من رمضان لا يقال له صام رمضان لأنه لم يكمل عدة رمضان فلا يحصل له ثواب من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال.
ويرد على هذا القول من عدة وجوه:
الأول: أن صوم رمضان معلق في ذمته، فإذا صام ستًا من شوال ثم قضى ما عليه من صوم رمضان قبل دخول رمضان آخر فقد برئت ذمته وحصل له ثواب صوم الدهر كما جاء في الحديث، وأيضًا الحديث ليس فيه تصريح أن القضاء يكون أولًا ثم صوم الستة ثانيًا، ولكن جاء في الحديث: «من صام رمضان» والذي يؤجل قضاء رمضان بعد أن يصوم الستة ثم يقضي ما عليه قبل دخول رمضان آخر ينطبق عليه أنه صام رمضان.
الثاني: من أفطر أكثر رمضان لعذر مرض أو نحوه وأراد أن يصوم ستًا من شوال ليحصل على ثواب صوم الدهر، فإذا قلنا له: اقض ما عليك ثم صم الستة فقد يكون في ذلك مشقة كبيرة على بعض الناس.
أيضًا من أفطر رمضان كله لعذر وقلنا له: اقض ما عليك من صوم رمضان أولا، ثم صم الستة فلم يستطع بأي حال من الأحوال؛ لأن قضاء رمضان استحوذ على شوال كله وبذلك يفوته فضل صوم الستة.
الثالث: ثبت عن عائشة رضي الله عنها كما جاء في الصحيحين، أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان، ويبعُد عن عائشة رضي الله عنها أن تترك صوم الستة من شوال ويوم عرفة ويوم عاشوراء وصيام الاثنين والخميس وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونحو ذلك من صيام التطوع، فهذا دليل على جواز صيام التطوع قبل قضاء رمضان، ومن ثمَّ جواز صيام الستة من شوال قبل قضاء رمضان، وإن كان الأفضل تقديم القضاء على صيام الست من شوال ، والله تعالى أعلم بالصواب.
ثالثًا: خروج المرأة الحائض يوم العيد:
عن أم عطية قالت: «كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض فيكن خلف الناس فيكبرون بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطُهرته»- أخرجه البخاري (971) ومسلم (890).
رابعًا: الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه أيام العيد:
عن أبي هريرة قال: « بَيْنَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِرَابِهِمْ، إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُمْ يَا عُمَرُ»- أخرجه البخاري (2901)، ومسلم (893).
الحصباء: هي الحصى الصغار.
وعن عائشة «أن أبا بكر رضي الله عنه، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنَى تُدَفِّفَانِ، وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ، وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى»- أخرجه البخاري: (987).
وقالت عائشة: “رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُمْ أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ».يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ- أخرجه البخاري: (988).