المحاضرةة السادسة: “الحكمة من الفتن، أولًا: تحقيق العبودية لله”
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
👌 فإن أول حكمة لوجود هذه الفتن هي: “تحقيق العبودية لله”؛ فتحقيق العبودية لله هي الغاية من خلق العباد.
قال تعالى في سورة الحج: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) [الحج].
👈 فما معنى أن يعبد الله على حرف؟
أي: كما لو صعد رجل على جبل عالٍ ثم وقف على حافة هذا الجبل فيجد أن جسده غير متزن ويهتز لأن قدمه غير ثابتة، ولو أتت عليه ريحٌ قوية أو ارتطم به أي شيء ولو كان صغيرًا فإنه سيقع مباشرةً من فوق هذا الجبل لأنه كان يقف على الحافة.
👌 وكذلك مَن يعبد الله على حرف فإنه يوشك أن يقع إما في بحر الشبهات وإما الشهوات، فكأنه يعبد الله بالسبب وليس لأن الله افترض عليه ذلك.
فإنه “إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ” فطالما هو على خير وفي نعمة وحاله مستقر وآماله محققة فهو يعبد الله، ولكن إذا حدث له أي فتنة أو ابتلاء شديد يتضجر وقد يترك الطاعة وينقلب، وقد يقول لله: لماذا يا ربي؟!
👈 وذلك لأنه كان يعبد الله على حرف، وهذا الذي يحدث لِمَن ينتكس -كما ذكرنا في درس الانتكاس-؛ فأنت لا ترى ما يحدث له ولا ترى اهتزازه وعدم ثباته؛ أنت فقط تراه واقفًا على الجبل، لذلك لا تتعجب من وقوعه، فقد كان يعبد الله على حرف.
✍ لذلك تأتي الفتنة لتُظهِر وتُخرِج ما في القلب، كما أنها تجعل العبودية ترسخ لأنها تجعل العبد يعلم أنه لا مجال للنجاة منها إلا بالطاعة والعبادة واللجوء إلى الله، وبذلك نحقق العبودية لله رب العالمين دون شك، فصاحب الشك يقع ولكن مَن لديه علم يعلم أنه لا مخرج من الفتن إلا بالطاعة والانشغال بالأعلى وهي طاعة الله.
☑️ فلو انشغلنا بالأعلى لَهان علينا الأدنى، وهذا ما يَمنع عنا حالات الاكتئاب أو اللجوء للمعاصي عند الفتن، فالابتلاء والفتن لا تُرفَع إلا بالطاعة واللجوء إلى الله تعالى، وعندها سيجعل الله لك مخرجًا وينزل عليك السكينة.