المحاضرة الرابعة: “الجهل من أعظم أسباب انتشار الفتن وكثرتها”
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن من أعظم أسباب انتشار الفتن وكثرتها:
“قلة العلم وكثرة الجهل”
والدليل على ذلك قوله ﷺ: «إنَّ بيْنَ يَدَيِ السَّاعةِ أيَّامًا ينزِلُ فيها الجَهلُ ويُرفَعُ فيها العِلمُ، ويكثُرُ فيها الهَرْجُ، والهَرْجُ القَتلُ». (رواه البخاري)
يحذرنا النبي ﷺ في الحديث من الجهل وقلة العلم، لأن بهما تزداد الشرور؛ فالإنسان صاحب العلم لديه بصيرة فتجده يزن الأمور ويرجع لأهل الفضل في مختلف المسائل حتى يصل إلى الحق.
ولكن إذا كان جاهلًا فمهما كان الأمر واضحًا جليًّا أمامه فسيخيِّم عليه جهله! وهذا من أكثر أسباب حدوث الفتن.
لذلك هناك قاعدة يجب أن نتبعها، ألا وهي:
“كلما ابتعدنا عن المنبع الوحيد -وهو الكتاب والسُّنة- كلما زادت الفتن”
والفتن ليس شرطًا أن تكون قتالًا وملاحم، بل من الممكن أن تكون في نفسِك وبيتِك وأهلك أو في أي شيء… وهذا نتيجة للبُعد عن الكتاب والسُّنة في كل أمرنا.
قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا…(103) ﴾ [آل عمران]
لماذا وُصِف “دين الله” هنا بالحَبل؟
لأن الحَبل سببٌ يوصَل به إلى المراد، فوصف الله الدين بالحبل الذي يوصِّل الإنسان إلى مراده.
فمَن يريد أن ينجو من الفتن فلا بد أن يحصن نفسه بالعلم مع العمل؛ فعندما نقع في فتنة نرجع إلى كتاب الله وسُنة رسوله ﷺ، فإن لم يكن لدي علم أعود إلى أهل العلم والفضل.
ومن الأدلة على ذلك أيضًا حديث عن [العرباض بن سارية]، قال النبي ﷺ: «فإنه مَن يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ من بعدي، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعَةٌ، وكلَّ بدعَةٍ ضلالةٌ». (رواه أبو داود، والترمذي).
كلنا نقرأ هذا الحديث ولا يوجد طالب علم لا يعلمه، ولكن وقت الفتن لا نعمل به!
والاختلاف المقصود في الحديث هو الخِلاف في أصول الدين وليس المقصود به الخِلافِ فيما يُشرَعُ فيه الاجْتِهادُ.