حكم اللواط

>> حكم اللواط

[vc_row][vc_column][vc_column_text css=”%7B%22default%22%3A%7B%22color%22%3A%22%23000000%22%2C%22text-align%22%3A%22right%22%2C%22font-family%22%3A%22h1%22%2C%22font-style%22%3A%22normal%22%2C%22font-size%22%3A%2214%22%7D%7D”]

مبحث في حكم اللواط

  •  مقدمة
  • سبب تسمية اللواط فاحشة
  •  تعريف اللواط
  •  الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم اللواط
  •  أضرار اللواط
  • حد اللواط
  •  بم يثبت حد اللواط
  • سبل الوقاية من الوقوع في اللواط

:مقدمة

     بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

     قد يخفى على البعض أن اللواط كبيرة من الكبائر تنافي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، بل إن الله تعالى فطر الحيوان على أن الذكر يأتي الأنثى ولا يأتي ذكرًا مثله، وما علمنا أن حيوانًا ذكرًا اشتهى ذكرًا مثله، فكيف يرضى الإنسان الذي كرمه الله تعالى أن ينزل نفسه منزلة أقل من منزلة الحيوان؟!

     قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء:70

قال ابن القيم رحمه الله:

     لم يبتلِ الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدًا من العالمين، وعاقبهم عقوبةً لم يعاقب بها أمةً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكّلَ بهم نكالًا لم ينكّله بأمّة سواهم؛ وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها  إذا عُمِلت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شاهدوها؛ خشيةَ نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم؛ وتعجّ الأرض إلى ربّها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.

     ومن تأمل قوله سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [سورة الإسراء: 32] . وقوله في اللواط: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ } [سورة الأعراف: 80] . تبين له تفاوت ما بينهما، وأنه سبحانه نكَّر الفاحشة في الزنى، أي هو فاحشة من الفواحش، وعرَّفها في اللواط، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة، أي أتأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد، فهي لظهور فحشها وكماله، غنية عن ذكرها، بحيث لا ينصرف الاسم إلى غيرها، وهذا نظير قول فرعون لموسى: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ } [سورة الشعراء: 19] . أي الفعلة الشنعاء الظاهرة المعلومة لكل أحد.

     ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم، فقال: {ممَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} ، ثم زاد في التأكيد بأن صرَّح بما تشمئز منه القلوب، وتنبو عنه الأسماع، وتنفر منه الطباع أشد نفرة، وهو إتيان الرجل رجلًا مثله ينكحه كما ينكح الأنثى، فقال: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} [سورة الأعراف: 81] .

     ثم نبَّه على استغنائهم عن ذلك، وأن الحامل لهم عليه ليس إلا مجرد الشهوة لا الحاجة التي لأجلها مال الذكر إلى الأنثى، ومن قضاء الوطر ولذة الاستمتاع، وحصول المودة والرحمة التي تنسى المرأة لها أبويها، وتذكر بعلها، وحصول النسل الذي هو حفظ هذا النوع الذي هو أشرف المخلوقات، وتحصين المرأة وقضاء وطرها، وحصول علاقة المصاهرة التي هي أخت النسب، وقيام الرجال على النساء، وخروج أحب الخلق إلى الله من جماعهن كالأنبياء والأولياء والمؤمنين، ومكاثرة النبي – صلى الله عليه وسلم – الأنبياء بأمته إلى غير ذلك من مصالح النكاح، والمفسدة التي في اللواط تقاوم ذلك كله، وتربي عليه بما لا يمكن حصر فساده، ولا يعلم تفصيله إلا الله.

     ثم أكد قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر الله عليها الرجال، وقلبوا الطبيعة التي ركَّبها الله في الذكور، وهي شهوة النساء دون الذكور، فقلبوا الأمر، وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم، فجعل عاليها سافلها، وكذلك قُلبوا هم، ونُكسوا في العذاب على رؤوسهم.

     ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد، فقال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [سورة الأعراف: 81] .

     فتأمل هل جاء مثل ذلك أو قريب منه في الزنى؟

     وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ } [سورة الأنبياء: 74] .

     ثم أكد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال: { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ } [سورة الأنبياء: 74] .

     وسماهم مفسدين في قول نبيهم: { رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ } [سورة العنكبوت: 30] .

     وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم: { إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ } [سورة العنكبوت: 31] .

     فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات، ومن ذمه الله بمثل هذه المذمات([1]).

سبب تسمية اللواط فاحشة:

     ذكر الله اللواط باسم الفاحشة ليبين أنه زنى، كما قال الله تعالى:

.[سورة الإسراء: 32]    {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }

     والفاحشة: أي: الخصلة التي بلغت – في العظم والشناعة – إلى أن استغرقت أنواع الفحش، فكونها فاحشة من أشنع الأشياء، وكونهم ابتدعوها وابتكروها، وسنوها لمن بعدهم، من أشنع ما يكون أيضا([3]).

تعريف اللواط:

 اللواط لغة:

اللواط هو اللصوق،  فكل شَيْء لصق بِشَيْء فقد لَاطَ بِهِ. يقال إني لأجد له في قلبي لوطًا وليطًا، يعني الحب اللازق بالقلب وقد لاط حبه يلوط ويليط: أي لصق.  ويقال هذا أمر لا يلتاط بصفري، أي لا يلصق بقلبي. ويقال: استلاطوه، أي ألزقوه بأنفسهم. ولطت الحوض بالطين لوطًا، أي ملطته به وطينته.

     وقال الليث: لوطٌ كان نبيًا بعثه الله إلى قومه فكذبوه وأحدثوا ما أحدثوا، فاشتق الناس من اسمه فعلًا لمن فعل فعل قومه([4]).

     اللواط شرعًا:

إتيان الذكر الذكر([5]).

     وعُرِّف أيضًا بأنه: إيلاج الحشفة أو قدرها في دبر ذكر ولو عبده أو أنثى غير زوجته وأمته([6]).

الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم اللواط:

أولًا: الأدلة من الكتاب:

     l قال تعالى:

أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166(

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف:80-84].

     يخبر  تعالى عن لوط أنه قال لقومه، توبيخًا منه لهم على فعلهم: إنكم، أيها القوم، لتأتون الرجال في أدبارهم، شهوة منكم لذلك، من دون الذي أباحه الله لكم وأحلَّه من النساء، وقوله تعالى: ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ ) هذا استفهام إنكار، أي

كيف تذرون النساء اللاتي خلقهن الله لكم، وفيهن المستمتع الموافق للشهوة والفطرة، وتُقْبِلون على أدبار الرجال، التي هي غاية ما يكون في الشناعة والخبث، ومحلٌ تخرج منه الأنتان والأخباث، التي يستحيي من ذكرها فضلًا عن ملامستها وقربها.

     وقوله  (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ): المسرف: المجاوز ما أُمر به، فأنتم متجاوزون لما

حده الله متجرئون على محارمه، مسرفون في كل الأعمال فلا يبعد منكم أيضًا

إقدامكم على هذا الإسراف([7]).

     وما كان جواب قوم لُوط للوط، إذ وبَّخهم على فعلهم القبيح، وركوبهم ما حرم الله عليهم من العمل الخبيث، إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطًا وأهله.

     (إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)  أي إن لوطًا ومن تبعه أناس يتنزهون عما نفعله نحنُ من إتيان الرجال في الأدبار([8]).

وقال سبحانه : {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيد(80)

   قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ(81)

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ(82)

مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ(83) [هود:77-83].

     يقول تعالى ذكره: ولما جاءت ملائكتنا لوطًا، ساءَه مَجيئهم، وضاق بمجيئهم (ذَرْعًا )، أي ضاقت نفسه غمًا بمجيئهم؛ وذلك أنه لم يكن يعلم أنهم رسلُ الله في حال ما ساءه مجيئهم، وعلم من قومه ما هم عليه من إتيانهم الفاحشة، وخاف عليهم، فضاق من أجل ذلك بمجيئهم ذرعًا، وعلم أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه، ولذلك قال: (هذا يوم عصيب) . وجاء لوطًا قومُه يستحثون إليه، يُرْعَدون مع سرعة المشي، مما بهم من طلب الفاحشة.  (ومن قبل كانوا يعملون السيئات) ، من قبل مجيئهم إلى لوط، كانوا يأتون الرجال في أدبارهم، (قال يا قوم هؤلاء بناتي) ، يعني نساء أمته فانكحوهن فهنّ أطهر لكم، (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي) ، أي فاخشوا الله، أيها الناس، واحذروا عقابه، في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها  (ولا تخزون في ضيفي) ، ولا تذلوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبُوه منهم.  (أليس منكم رجل رشيد) ، أليس منكم رجل ذو رُشد، ينهى من أراد ركوبَ الفاحشة من ضيفي، فيحول بينهم وبين ذلك؟ {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ  } قال قوم لوط للوط: (لقد علمت) ، يا لوط (ما لنا في بناتك من حق) ، لأنهن لَسْنَ لنا أزواجًا، (وإنك لتعلم ما نريد) ، إنا نريد الرجال. {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ } قال لوط لقومه حين أبوا إلا المضي لما قد جاؤوا له من طلب الفاحشة، وأيس من أن يستجيبوا له إلى شيء مما عرض عليهم: (لو أن لي بكم قوة) ، بأنصار تنصرني عليكم وأعوان تعينني  (أو آوى إلى ركن شديد) ، أو أنضم إلى عشيرة مانعة تمنعني منكم،  لحلْتُ بينكم وبين ما جئتم تريدونه منِّي في أضيافي.

     قالت الملائكة للوط، لما قال لوط لقومه (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) ، ورأوا ما لقي من الكرب بسببهم منهم: (يا لوط إنا رسل ربك) ، أُرسِلْنا لإهلاكهم، وإنهم لن يصلوا إليك وإلى ضيفك بمكروه، فهوّن عليك الأمر (فأسر بأهلك بقطع من الليل)  فاخرج من بين أظهرهم أنت وأهلك ببقية من الليل (إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم) إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب (إن موعدهم الصبح) إن موعد قومك الهلاك الصبح. فاستبطأ ذلك منهم لوط وقال لهم: بلى عجِّلوا لهم الهلاك! فقالوا: (أليس الصبح بقريب) أي عند الصبح نزولُ العذاب بهم، ولما جاء أمرنا بالعذاب وقضاؤنا فيهم بالهلاك، (جعلنا عاليها) يعني عالي قريتهم (سافلها وأمطرنا عليها) ، وأرسلنا عليها (حجارة من سجيل) . وهو الحجر والطين، ( منضود ) صفة ذلك الطين أنه نُضِد بعضه إلى بعض، فصُيِّر حجارة.

(مسوَّمة عند ربك) معلمة عند الله، أعلمها الله، (وما هي من الظالمين ببعيد) ، فإنه يقول تعالى ذكره متهددًا مشركي قريش: وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط، من مشركي قومك، يا محمد، ببعيد أن يمطروها، إن لم يتوبوا من شركهم([9]).

ثانيًا: الأدلة من السنة:  – عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

([10]).<<مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ>>

     – عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يعمل عمل قوم لوط قال: «ارجموا الأعلى والأسفل، ارجموهما جميعا»([11]).

     – عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: «لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط»([12]).

أضرار اللواط:

 شدد الاسلام في عقوبة هذه الجريمة لآثارها السيئة وأضرارها في الفرد والجماعة.

ومن هذه الأضرار ما يلي:

1- الرغبة عن المرأة:

من شأن اللواط أن يصرف الرجل عن المرأة، وقد يبلغ به الأمر إلى حد العجز عن مباشرتها، وبذلك تتعطل أهم وظيفة من وظائف الزواج، وهي إيجاد النسل.

2- التأثير في الأعصاب:

هذه العادة تؤثر في الأعصاب تأثيرا خاصًا، أحد نتائجه الإصابة بالانعكاس النفسي في خلق الفرد، فيشعر في صميم فؤاده بأنه ما خلق ليكون رجلا، وينقلب الشعور إلى شذوذ، به ينعكس شعور اللائط انعكاسا غريبا، فيشعر بميل إلى بني جنسه، وتتجه أفكاره الخبيثة إلى أعضائهم التناسلية.

3- إضعاف القوى النفسية الطبيعية:

فيجعله عرضة للإصابة بأمراض عصبية شاذة وعلل نفسية شائنة، تفقده لذة الحياة، وتسلبه صفة الإنسانية والرجولة، فتحيي فيه لوثات وراثيةخاصة، وتظهر عليه آفات عصبية كامنة تبديها هذه الفاحشة، وتدعو إلى تسلطها عليه.

التأثير على المخ:

اللواط اختلالًا كبيرًا في توازن عقل المرء، وارتباكا عامًا في تفكيره، وركودًا

غريبا في تصوراته، وبلاهة واضحة في عقله، وضعفًا شديدًا في إرادته،

ويرجع ذلك  إلى قلة الافرازات الداخلية التي تفرزها الغدة الدرقية، والغدد فوق الكلى، وغيرها مما يتأثر باللواط تأثرًا مباشرا، فيضطرب عملها وتختل وظائفها.

عدم كفاية اللواط:

 اللواط علة شاذة، وطريقة غير كافية لإشباع العاطفة الجنسية وذلك لأنها بعيدة الأصل عن الملامسة الطبيعية، لا تقوم بإرضاء المجموع العصبي، شديدة الوطأة على الجهاز العضلي، سيئة التأتير على سائر أجزاء البدن.

6- ارتخاء عضلات المستقيم وتمزقه:

اللواط سبب في تمزق المستقيم وهتك أنسجته وارتخاء عضلاته وسقوط بعض أجزائه، وفقد السيطرة على المواد البرازية وعدم استطاعة القبض عليها، ولذلك نجد الفاسقين دائمي التلوث بهذه المواد المتعفنة بحيث تخرج منهم بغير إرادة أو شعور.

7- ضيق الصدر وخفقان القلب.

واللواط يصيب مقترفيه بضيق الصدر ويرزؤهم بخفقان القلب، ويتركهم بحال من الضعف العام يعرضهم للإصابة بشتى الأمراض ويجعلهم نهبة لمختلف العلل والأوصاب.

8- التأثير على الأعضاء التناسلية:

يضعف اللواط مراكز الإنزال الرئيسية في الجسم، ويعمل على القضاء على الحيوية المنوية فيه، ويؤثر على تركيب مواد المني ثم ينتهي الأمربعد قليل من الزمن بعدم القدرة على إيجاد النسل، والإصابة بالعقم مما يحكم على اللائطين بالانقراض والزوال.

9- التيفود والدوسنتاريا:

يسبب اللواط العدوى بالحمى التيفودية والدوسنتاريا وغيرهما من الأمراض الخبيثة التي تنتقل بطريق التلوث بالمواد البرازية المزودة بمختلف الجراثيم، المملوءة بشتى أسباب العلل والامراض([13]).

حد اللواط:

لا خلاف بين أهل العلم على تحريم عمل قوم لوط، وتنازعوا في حد اللواط.

 فذهب فريق

إلى أن حد اللواط: قتل الفاعل والمفعول به وإن لم يحصنا.

وحجتهم: 1- حديث ابن عباس والآثار التي جاءت عن الصحابة في هذا الباب.

        2- القياس على الزنا، قالوا: هو أغلظ من الزنا.

 وهذا مذهب مالك ورواية عن أحمد والشافعي في أحد قوليه وابن تيمية وابن القيم.

وقال قوم:

حد اللواط كحد الزنا؛ يُرجم حتى الموت إن كان محصنًا، ويجلد إن كان بكرًا ويُغرَّب عامًا([14])، وهو المشهور عن الشافعي والثوري ورواية عن أحمد وقول أبي يوسف ومحمد من الحنفية وغيرهم.

 وذهب أبو حنيفة

إلى أن اللواط لاحدَّ فيه؛ لأنه ليس محل وطء، ولكن يعزر([15]) فاعله، وهو مذهب ابن حزم.

واختلفوا في الرجل إذا أتى المرأة في دبرها:

فقالت طائفة:

إن كانت زوجته فقد ارتكب محرمًا ولا حدّ عليه، وهذا مذهب الحنابلة وأبي حنيفة والشافعي وغيرهم.

وقالت طائفة:

إن أتى الرجل المرأة الأجنبية في دبرها، يُحد حَدَّ الزاني كما تقدم، وهو مذهب مالك والشافعي والحنابلة وطائفة من الحنفية والأوزاعي وأبي ثور وغيرهم.

أقوال الفقهاء في المسألة:

   جاء في المبسوط (9/88):

ومن أتى امرأة أجنبية في دبرها فعليه الحد في قول أبي يوسف ومحمد – رحمهما الله تعالى – والتعزير في قول أبي حنيفة – رحمه الله تعالى، وكذلك اللواط عند أبي حنيفة يوجب التعزير عليهما.

وعندهما يحدان حد الزنا؛ يرجمان إن كانا محصنين، ويجلدان إن كانا غير محصنين، وهو أحد قولي الشافعي. انتهى.

جاء في المدونة الكبرى (4/485):

أرأيت من أتى امرأة أجنبية في دبرها، وهي ليست له بامرأة ولا بملك يمين، أَيُحَد حد الزنا في قول مالك؟ قال: نعم يحد حد الزنا؛ لأن مالكًا قال: هو وطءٌ. قلت: أرأيت إن فعل ذلك رجل بصبي، أو كبير بكبير، ما حدهم؟ قال: قال مالك: من فعل ذلك بصبي رُجم ولم يرجم الصبي، وإن فعل ذلك كبير بكبير رُجِمَا جميعًا وإن لم يحصنا، قال: قال مالك: ولا يرجم حتى يشهد عليه أنهم نظروا إليه كالمرود في المكحلة، من البكر والثيب يرجمان جميعًا.

   قال الماوردي في الحاوي (13/222):

اللواط هو إتيان الذكر الذكر، وهو من أغلظ الفواحش تحريمًا… واستدل بآيات سورة الأعراف وحديث ابن عباس كما تقدم… قال: إذا ثبت أنه من أغلظ الفواحش ففيه أغلظ الحدود.

وفي (ص:223) قال: قال ابن عباس: يُلقى من شاهق منكسًا ثم يرجم بالحجارة. وهذا قول من ذكرنا من الصحابة، وليس لهم فيه مخالف فكان إجماعًا بعد نص، ولأنه فرج مقصود بالاستمتاع فوجب أن يتعلق به وجوب الحد؛ قياسًا على قُبل المرأة، ولأنه أغلظ من الزنا؛ إذ لا سبيل إلى استباحته، فوجب أن لا يسقط فيه حد الزنا كالزنا. وقولهم: إنه لا يُطلق عليه اسم الزنا، فقد أطلق الله عليه اسم الفاحشة التي جعلها زنا…

القول الثاني: نقله الربيع وقال: رجع الشافعي إليه عن الأول، أنه كحد الزنا، يُرجم فيه المحصن، ويجلد فيه البكر مائة ويغرَّب عامًا، وبه قال الزهري والثوري وأبو يوسف ومحمد.

     قال الشافعي في الأم (5/137):

قال الله عز وجل:  {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ} [البقرة: 223]. الإتيان في الدبر حتى يبلغ منه مبلغ الإتيان في القُبل محرم بالكتاب ثم السنة. انتهى.

قال الشافعي: ولا يُقْبَل على الزنا واللواط إلا أربعة يقولون: رأينا ذلك منه يدخل في ذلك منها دخول المرود في المكحلة، وحكى أبو ثور عنه أنه قال: إذا أتى الرجل المرأة في دبرها، قال: حده حد الزاني، قال: وهذا قول أبي يوسف ومحمد، وقال أبو ثور: حكمه حكم الزاني. وحكي هذا القول عن عثمان البتي والأوزاعي([16]).

     قال صاحب المغني (8/130) بعد أن ساق أدلة القرآن والسنة في تحريم اللواط:

     اختلفت الرواية عن أحمد – رحمه الله – في حده، فروي عنه أن حده الرجم بكرًا كان أو ثيبًا، وهذا قول علي وابن عباس وجابر بن زيد … ومالك وأحد قولي الشافعي … وقال الحكم وأبو حنيفة: لا حد عليه؛ لأنه ليس بمحل الوطء.

قال ابن قدامة: وقول من أسقط الحد عنه يخالف النص والإجماع، وقياس الفرج على غيره لا يصح لما بينهما من الفرق… ولو وطئ زوجته أو مملوكته في دبرها، كان محرمًا لا حد فيه؛ لأن المرأة محل للوطء في الجملة.

     قال ابن مفلح في الفروع (6/76):

وهل اللوطي الفاعل والمفعول به كالزاني؟ أو يرجم بكرًا، أو ثيبًا؟ روايتان.

     جاء في شرح غاية المنتهى (8/458):

ولوطي فاعل ومفعول به كزانٍ، فمن كان منهما محصنًا رُجم، وغير المحصن الحر يجلد مائة ويغرَّب عامًا… ودبر أجنبية أي: غير زوجته وسريته كاللواط، ويعزر من أتى زوجته أو سريته في دبرها.

     جاء في المحلى لابن حزم (12/396):

لا قتل عليه ولا حد، لأن الله تعالى لم يوجب ذلك ولا رسوله  عليه السلام فحكمه أنه أتى منكرًا،  فالواجب بأمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم تغيير المنكر باليد، فواجب أن يضرب التعزير الذي حده رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في ذلك لا أكثر، ويكف ضرره عن الناس فقط.

     جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية (34/182) في معرض كلامه عن حكم اللواط:

أما الفاعل والمفعول به فيجب قتلهما رجمًا بالحجارة، سواء كانا محصنين، أو غير محصنين؛ لما في السنن عن النبي r … وساق حديث ابن عباس، ولأن أصحاب النبي  اتفقوا على قتلهما. انتهى.

وهذا ما ذهب إليه ابن القيم في الداء والدواء (ص:239) والشوكاني في السيل الجرار (3/495).

 تعقيب وترجيح:

والذي أرجحه وأعتقد أنه الصواب في هذه المسألة أن من فعل فعل قوم لوط فعقوبته عقوبة الزاني، يرجم حتى الموت إن كان محصنًا ويجلد مائة جلدة ويُغرَّب سنة إن كان بكرًا – الفاعل والمفعول فيه سواء – لأن اللواط يقاس على الزنا وهو قياس جلي؛ لأن الله تعالى أطلق لفظ الفاحشة على الزنا وعلى اللواط، بل هو أغلظ من الزنا، فقد عاقب الله تعالى قوم لوط عقوبة لم يعاقب بها أحدًا غيرهم، بل جمع عليهم صنوفًا من العذاب، فقلب ديارهم عليهم وخسف بهم وأهلكهم، ولم يفعل ذلك بالزناة.

كذا العلة من اللواط والزنا الاستمتاع، فلما اشتركا في العلة وجب التسوية بينهما في الحكم، كما هو معلوم عند الأصوليين، وهو المشهور من مذهب الشافعي وأحمد في أحد قوليه وطائفة من الحنفية والثوري وغيرهم.

وكذلك الحكم في الرجل الذي أتى امرأة أجنبية في دبرها، يحد حد الزاني، يرجم إن كان محصنًا ويجلد مائة ويُنفى سنة إن كان بكرًا، وهذا مذهب مالك والشافعي والحنابلة وطائفة من الحنفية وأبي ثور والأوزاعي وغيرهم، والله تعالى أعلم.

     بم يثبت حد اللواط؟

ذهب كل من قال بالحدّ في اللواط إلى أنه لا يثبت إلا بأربعة شهود عدول مسلمين كالزنا ، أو بالاعتراف.

     أقوال العلماء في المسألة:

     جاء في الفواكه الدواني (2/209):

     شرط الرجم باللواط كشرط حد الزنا من مغيب جميع الحشفة أو قدرها، والثبوت إما بالاعتراف المستمر أو شهادة أربع من العدول.

     قال الشافعي في الأم (7/59):

     والشهادة على اللواط وإتيان البهائم أربعة لا يقبل فيها أقل منهم؛ لأن كلًا جماع.

     قال الماوردي في الحاوي الكبير ( 13/217).

     قال الشافعي: ” ولا يجوز على الزنا واللواط وإتيان البهائم إلا أربعة يقولون رأينا ذلك منه يدخل في ذلك دخول المرود في المكحلة.

     قال النووي في المجموع (20/252):

     لا يقبل في اللواط إلا أربعة؛ لأنه كالزنا في الحد، فكان كالزنا في الشهادة.

     قال ابن قدامة في المغني (9/78):

     كل زنا أوجب الحد، لا يقبل فيه إلا أربعة شهود، باتفاق العلماء؛ لتناول النص له، بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [النور: 4] . ويدخل فيه اللواط، ووطء المرأة في دبرها؛ لأنه زنا… وقد بينا وجوب الحد به، ويخص هذا بأن الوطء في الدبر فاحشة، بدليل قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80] . وقال الله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } [النساء: 15] . فإذا وطئت في الدبر، دخلت في عموم الآية.

     سبل الوقاية من الوقوع في اللواط:

1- الإخلاص لله تعالى:

قال تعالى في قصة يوسف عليه السلام: â  كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَá [يوسف: 24]

قال ابن القيم:

وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ مِنَ الْعِشْقِ وَالْفَحْشَاءَ مِنَ الْفِعْلِ بِإِخْلَاصِهِ، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أَخْلَصَ وَأَخْلَصَ عَمَلَهُ لِلَّهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ عِشْقُ الصُّوَرِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَلْبٍ فَارِغٍ([17]).

2- امتثال أمر الله تعالى بحفظ الفرج:

قال تعالى: â وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ á [المؤمنون: 5-7]

 قال ابن كثير:

وَالَّذِينَ قد حفظوا فروجهم من الحرام فَلَا يَقَعُونَ فِيمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ زنا ولواط، لا يَقْرَبُونَ سِوَى أَزْوَاجَهُمُ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ مِنَ السَّرَارِيِّ وَمَنْ تَعَاطَى مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ وَلَا حَرَجَ، وَلِهَذَا قَالَ: فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ أَيْ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ وَالْإِمَاءِ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ أَيِ الْمُعْتَدُونَ([18]).

– عنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ»([19]).

قال ابن بطال:

(وما بين رجليه) يعنى فرجه فلم يستعمله فيما لا يحل له.

 ودل بهذا الحديث أن أعظم البلاء على العبد فى الدنيا اللسان والفرج، فمن وقى شرهما فقد وقى أعظم الشر([20]).

5- حفظ البصر:

 قال تعالى: â قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ á.[النور: 30-31]

قال الشيخ السعدي:

 {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات، وإلى المردان، الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة، وإلى زينة الدنيا التي تفتن، وتوقع في المحذور.

{وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} عن الوطء الحرام، في قبل أو دبر، أو ما دون ذلك، وعن التمكين من مسها، والنظر إليها([21]).

4- الصحبة الصالحة:

قال تعالى: â وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ

وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ

ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا .[الكهف: 28].

قال الشيخ السعدي:

     ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.

{وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.

{تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية([22]).

– وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ، فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً “([23]).

5- النكاح أو الصوم:

– عن عبد الله قال: قال لنا رسول الله r: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ([24]) فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ([25])»([26]).

قال ابن القيم:

وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين هم مظنة العشق إلى أنفع أدويتهم في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج” فأرشدهم إلى الدواء الشافي الذي وضع لهذا الأمر ثم نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصوم فإنه يكسر شهوة النفس ويضيق عليها مجاري الشهوة فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء وكيفيته فكمية الغذاء وكيفيته يزيدان في توليدها والصوم يضيق عليها ذلك فيصير بمنزلة وجاء الفحل وقل من أدمن الصوم إلا وماتت شهوته أو ضعفت([27]).

وأخيرا:

قال ابن القيم:

والكلام في دواء هذا الداء من طريقين:

      أحدهما: حَسْم مادّته قبل حصولها.

      والثاني: قلعها بعد نزولها.

      وكلاهما يسير على من يسّره الله عليه، ومتعذّر على من لم يُعِنْه، فإنّ أزِمَّة الأمور بيديه.

    فأمّا الطريق المانع من حصول هذا الداء، فأمران:

     أحدهما: غضّ البصر ، فإنّ النظرة سهم مسموم من سهام إبليس. ومَن أطلق لحظاتِه دامت حسراتُه. وفي غضِّ البصر عدّة منافع، وهو بعض أجزاء هذا الدواء النافع.

     الثاني: اشتغال القلب بما يصدّه عن ذلك، ويحول بينه وبيّن الوقوع فيه.

     وهذا يحتاج صاحبه إلى أمرين إن فُقِدا أو أحدهما لم ينتفع بنفسه:

     أحدهما: بصيرة صحيحة يفرّق بها بين درجات المحبوب والمكروه، فيؤثر أعلى المحبوبَين على أدناهما، ويحتمل أدنى المكروهَين ليخلص من أعلاهما. وهذا خاصّة العقل، ولا يعدُّ عاقلًا من كان بضدِّ ذلك، بل قد تكون البهائم أحسن حالًا منه.

     الثاني: قوة عزم وصبر يتمكن بها من هذا الفعل والترك. فكثيرًا ما يعرف الرجل قدر التفاوت، ولكن يأبى له ضعفُ نفسه وهمته وعزيمته على إيثار الأنفع، من جشعه وحرصه ووضاعة نفسه وخسّة همته. ومثل هذا لا ينتفع بنفسه، ولا ينتفع به غيره([28]).

تم بحمد الله تعالى

الموقع الرسمي لأم تميم

www.omtameem.com

([1]) الداء والدواء لابن القيم (1/395-404).

Pin It on Pinterest

Share This