بيان حكم النمص

>> بيان حكم النمص

مبحث في حكم النمص

 النمص لغةً:

 رقة الشعر ودقته حتى تراه كالزَّغب … والنمص: نتفُ الشعر, ونمص شعره وينمصه نمصًا: نتفه

 قال الفراء:

النامصة التي تنتف الشعر من الوجه, ومنه قيل للمنقاش منماص, لأنه ينتف به, والمتنمصة: هي التي تفعل ذلك بنفسها

 لسان العرب – ( 8/ 706) وغريب الحديث للقاسم بن سلام ( 1/166) وغريب الحديث لابن إسحاق الحريبي (2/828)

 قال الجوهري:

النمص نتف الشعر, وقد تنمصت المرأة ونمصت أيضًا, شدد للتنكير,

والنامصة: المرأة التي تزين النساء بالنمص

 الصحاح ( ص: 1070 ) , وجمهرة اللغة لابن بكر بن دريد الأزدي ( 2/899)

 وقال الفارابي :

النمص أخذ الشعر عن الوجه بخيط

 معجم ديوان الأداب ( 2/165) والمحيط في اللغة لأبي القاسم الطالقاني ( 2/228)

عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : (لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ ، والمتفلجاتِ للحسنِ المغيِّراتِ خلقَ اللهِ..) البخاري (5931) ومسلم (2125)

 وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَعنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ والمستَوصِلَةَ ، والواشِمةَ والمستوشِمَةَ) البخاري (5933)

 وعن عائشة رضي الله عنها: (أنَّ امرأةً من الأنصارِ زوَّجت ابنةً لها . فاشتكتْ فتساقطَ شعرُها . فأتت النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالت : إنَّ زوجها يُريدها . أفأَصِلُ شعرَها؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ( لعن الواصلاتِ ) . وفي روايةٍ : ( لعن المُوصلاتِ ) البخاري (5934) ومسلم (118-2123) واللفظ له

ذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى تحريم النمص وحجتهم في ذلك أحاديث الباب, وهي صحيحة صريحة في التحريم, لوجوه:

 أولًا:

 لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة, واللعن خروج من رحمة الله, وهل يخرج من رحمة الله فاعل المباح؟ وهل يخرج من رحمة الله فاعل المكروه كراهة تنزيه. والرد بالإجماع: لا يلعن فاعل المباح ولا المكروه.

 ثانيًا :

 في حديث عائشة المتقدم, وفيه ان المرأة التي أرادت وصل شعر بنتها وقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن زوجها يريدها, أفأصل شعرها؟ فقال ( لعن الواصلات)

تأمل , لم يرخص لها في الوصل حتى من أجل الزوج, وهي صحابية ما أرادت فتنة الرجال, فمن احتج بجواز النمص إن كان للزوج وأمن الفتنة, فحجته مردودة بهذا الحديث, لأن الوصل والنمص والوشم وغيرهن جاء في سياق واحد, وإخراج النمص من الحكم إن كان للزوج يحتاج إلى دليل, ولا دليل عليه.

 ثالثا:

 من المعلوم عند علماء الأصول أن الظاهر مقدم على المؤول , الظاهر لعن النامصة والمتنمصة, والمؤول هو مااحتج به البعض من جوازه للزوج

رابعًا:

من المعلوم أنه لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة, ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم باللعن من تفعله للتدليس أو لفتنة الرجال لبين لنا, قال تعالى (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) مريم : 64

 خامسًا:

 قد أجمعت الأمة على أن الاجتهاد مقابل نص باطل, فإذا جاء الحكم في آية من كتاب الله او حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صريح الدلالة على الحكم فلا يجوز أن تُقدِّم قول احد على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان من أكبار العلماء

 قال الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع العلماء أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليها وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.

 وقال: إذا صح الحديث بما يخلف قولي، فاضربوا بقولي الحائط.

 وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء: أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتقولون: قال أبو بكر وعمر ؟ )

 فقد دعا ابن عباس رضي الله عنه على من قدم قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بمن يتبع من هم دون أبو بكر وعمر في العلم والفضل ويُقدم قوله على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

أقوال العلماء في المسألة:

 قال ابن مسعود رضي الله عنه للمرأة التي سمعته وهو يقول: (لعن اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ ، والنامصاتِ …) الحديث كما تقدم أول المسألة,

قالت المرأة: فإني أرى أهلك يفعلونه, قال : فاذهبي فانظري, فذهبت فنظرت, فلم تر من حاجتها شيئًا, فقال : لو كانت كذلك ما جامعتها

 البخاري ( 4886 ) ومسلم ( 2125 )

 انظر إلى رد ابن مسعود, وهل كان هذا الصحابي العالم الجليل يفارق امرأته لأنها فعلت مبارح أو مكروه؟ بل قال هذا لعلمه أن النمص حرام

 قال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لعن الواصلة والمستوصلة, والنامصة والمتنمصة والواشرة والمستوشرة, فهذه الخصال محرمة, لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعلها, ولا يجوز لعن فاعل المباح

المغني ( 1/89 )

 قال ابن إدريس البهوتي الحنبلي رحمه الله: ويحرم النمص وهو نتف الشعر من الوجه … إلى أن قال: واللعنة على الشئ تدل على تحريمه, لأن فاعل المباح لاتجوز لعنته

 كشاف القناع عن متن الإقناع (1/81)

 قال الشنقيطي رحمه الله : الحاجبان: مثنى حاجب, وهو في الأصل : الشعر الذي ينبت على العظم فوق العين , سواء اتصل الحاجبان او انفصلا, ولذلك جاء في النمص وهو: نتف شعر الوجه الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله, وأكثر ما يقع في النساء…. وساق الحديث كما تقدم

ثم قال: فلا يجوز الاعتداء على هذا الشعر, حتى ولو اتصل الحاجبان, لأن سر المنع و ورود اللعن هو: عدم الرضا بخلقة الله عز وجل فإذا خلق الله الحاجب متصلًا وجاءت هي تفصله فقد غيرت الخلقة ولم ترض بقسمة الله, ولذلك ورد اللعن على هذا , لأن هناك أفعالا قد تكون أخف, ولكن لما اتصل أمر هذا الفعل بالعقيدة وهو عدم الرضا بخلقه والاعتداء عليها , ولذلك جاء في آخر الحديث ( المغيرات خلق الله), فرجع الأمر إلى الاعتقاد فمن نمصت شعر حاجبيها – سواءً فيما كان بين الحاجبين لكي تفصل الحاجبين أو ترقيقًا للحاجب بعد أن كان عريضًا ونحو ذلك فيشملها ….. شرح زاد المستقنع (5/366)

قال النووي رحمه الله: وأما (النامصة) فهي التي تزيل الشعر من الوجه, والمتنمصة: التي تطلب فعل ذلك. وهذا الفعل حرام, إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شارب, فلا تحرم إزالتها , بل يستحب عندنا.

 وقال ابن جرير رحمه الله : لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها , ولا تغيير شئ من خلقتها بزيادة أو نقص.

 قال النووي: ومذهبنا ما قدمناه من استحباب إزالة اللحية والشارب والعنفقة, وأن النهي إنما في الحواجب وما في أطراف الوجه.

 شرح مسلم للنووي (7/361) وانظر شرح المهذب (1/343-347 )

 قال ابن حجر رحمه الله: في معرض شرحه لأحاديث الباب, وفي هذه الأحاديث حجة لمن قال يحرم الوصل في الشعر والوشم والنمص, على الفاعل والمفعول به, وهي حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه, لأن دلالة اللعن على التحريم من أقوى الدلالات, بل عند بعضهم أنها من علامات الكبيرة

فتح الباري (10/390-391)

 قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: ولا يحل للمرأة نتف الشعر من وجهها

 المحلى (1/432) مسألة (270)

 من فتاوى أكابر علماء العصر:

سئل العلامة ابن باز رحمه الله: ماهو النمص, وهل يجوز للمرأة أن تزيل شعر اللحية والشارب وشعر الساقين واليدين, وإذا كان الشعر ملاحظًا على المرأة ويسبب نفرة الزوج فما حكمه؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:

النمص: الأخذ من شعر الحاجبين, وهو لايجوز لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة, ويجوز للمرأة أن تزيل ماقد ينبت لها من لحية أو شارب أو شعر في ساقيها أو يديها وبالله التوفيق – اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء , فتوى رقم (10896) وانظر فتوى رقم (4962), (6093),(13437) المجلد الخامس (5/209-212)

 قال ابن عثيمين رحمه الله : في معرض رده على فتوى تتعلق بحكم تغير خلق الله فأجاب رحمه الله: تغيير خلق الله سبحانه وتعالى على نوعين, نوع يراد به التجميل ونوع يراد به إزالة السيئ, فأما ما يراد به التجميل كالنمص والوشم, والوشر … وظاهر النصوص, بل صريحها أن ذلك محرم بل من الكبائر , لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله – فتاوى نور على الدرب (9/2)

وقال في موضع آخر: ( وأخذ ما تعافه النفس من شعر ) أي : كذلك له أن يجبرها على أخذ ما تعافه النفس من شعر مثل ما لو نبت لها شارب, وهذا قد يحصل, بعض النساء ينبت لهن شارب, وبعضهن شارب ولحية أيضًا, فلو حصل هذا الأمر فله أن يجبرها على أن تأخذه , فإذا قالت له: قال النبي عليه الصلاة والسلام ( أعفوا اللحى وأحفوا الشارب ) فقل: هذا خاص بالرجال, أما النساء فيعتبر هذا عيبا فيهن, ولهذا جاز إزالته, و إذا طلب الزوج ذلك وجب إزالته … إلى أن قال: إزالة الشعور لها ثلاث حالات: مأمور به , ومنهي عنه , ومسكوت عنه ….

إلى أن قال: والمنهي عنه: اللحية بالنسبة للرجال والنمص بالنسبة للرجال والنساء والنمص نتف شعر الوجه, سواء الحاجبان أو غيرهما

 الشرح الممتع (12/402-403)

 قال ابن جبرين رحمه الله: عندما سئل , ماحكم نتف شعر الوجه بدون الحواجب ؟

الجواب: لا بأس بنتف شعر الوجه للمرأة, أو إزالته من الذقن أو العنفقة, أو الخدين, أو الجبين أما الحاجبان, فلايجوز النتف, ولا الإزالة لشعرهما, للنهي عن النمص, وهو نتف شعر الحاجبين أو تخفيفه

فتاوى ابن جبرين (20/14)

 ونكتفي بهذا القدر من أقوال أهل العلم, فالسعيد يشفيه اليسير, والشقي لايقنع بالكثير وحسبنا الله ونعم الوكيل

 أم تميم

Pin It on Pinterest

Share This